فيصل الأحمر يكتب عن الإبداع النسوي

تمرد مكتمل الأركان على السيد شهريار

تمرد مكتمل الأركان على السيد شهريار
  • القراءات: 672
مريم. ن مريم. ن

قدم الروائي فيصل الأحمر، مؤخرا، دراسة عن “تمثيل الرجل في السرد النسائي وأبعاده النفسية والفلسفية”، نشرت على صفحات مجلة “الجديد” اللندنية، ضمن ملف “مشاريع من أجل شهريار الجديد”، طرح من خلالها ما تقوله وتقترحه النصوص الروائية النسائية الجديدة حول رجل اليوم، وملامح رجل الغد، علما أن أحد أهم العناصر التي أرادت الحركة النسوية تحقيقها منذ أزيد من 40 سنة، هو إعادة صياغة العالم من منظور جديد.

أشار الكاتب، إلى أن هناك ميادين الاشتغال التي وسعت دائرتها، لتشمل وجهة النظر النسوية، فأصبح هناك نقد نسوي، وسينما نسوية، وأدب نسوي، وفلسفة نسوية… إلخ، ومن شأن كل هذا، تشكيل متخيل أنثوي، من خلال التراكم والمد الزمني والنقش المتكرر المتواصل الدؤوب لأخلاقيات نسائية، ووجهات نظر مفسرة للعالم، وجهات نظر قد تكون استعادة تفكيكية لعناصر الخطاب، الذي تهدف “النسوية” إلى تقويضها وتعويضها بعناصر أخرى جديدة.

استشهد فيصل الأحمر بدوروتي سميث، حين قال إنه “عندما نرى الرموز والصور النسائية، والنساء يستعملنها ويلعبن بها ويهشمنها ويعارضنها، لا يبدو خطاب الأنوثة كبنية مسيرة من قبل تراكيب صناعة الموضة، التي تتلاعب بالناس وكأنهم دمى، بل تبدو هذه الرموز وهذه الصور نظاما اجتماعيا، تساهم فيه النساء بنشاط، وكذا الرجال أحيانا، وهو نظام متطور يكشف عن نفسه شيئا فشيئا وباستمرار”.

أوضح الكاتب أنه تناول هذا الأمر في هذا المقام من زوايا عديدة، اقترحتها عليه بعض الروايات الجزائرية أثناء القراءة والمساءلة، واقترحها بشكل ما، الدارسون أثناء مساءلة الرواية النسائية خارج الجزائر وداخلها أيضا.

من أهم عناصر تغيير الخارطة الذكورية، التي تشغل الأنثى كثيرا أثناء الدعاية القوية لمفهوم “الحرية” أثناء الكتابة، وهي حرية تحرك مؤشرات الهيمنة على القول، التي هي ممارسة سلطوية بامتياز، إذ يبدو أن المرأة تعيد رسم الحدود بين الرجل وبينها، كلما اكتسبت الحق في السرد، الذي هو الحق في سلطة كانت ـ ولا تزال ملكية خاصة بالذكر في إطار التمثلات التقابلية “ذكر/ أنثى”- وتتقدم المرأة في خلخلة أراضي الذكورة، من خلال التمرد على الشكل الروائي أولا، شكل يقتضي نصا طويلا متشعبا قوي البنية، يملك كل الملامح في مواجهة النصوص الروائية الجديدة الشبيهة بالقصص الطويلة، والتي هي شكل من الأشكال المؤنثة التي تحمل الهشاشة والخلل في جيناتها. وهنا ذكر ما قالته الروائية الفرنسية كريستين آنغو “إن القصة الطويلة شكل منفتح وحر ومؤنث، يمارس دون كثير من العقبات، ولا الشروط الفنية الصارمة التي تحيل على سلالات من الروائيين الرجال، فهذا الشكل المقتضب يمثل طريقة نسائية في النظر إلى الأشياء ، تعارض (وتقابل وتناقض) الطريقة الذكورية المرتبطة بسلسلة المقولات الذكورية المعبرة عن مختلف أشكال الهيمنة: المركزية اللغوية، المركزية الغربية، مركزية البناء الروائي… إلخ.”

يقول الدكتور فيصل الأحمر، إن كل ذلك يبدأ بمحاولة إثبات الذات، لكي ينتهي إلى سحب شهرزاد البساط من تحت أقدام شهريار، أي إلى محاولة شق الطريق العسير للأنثى، وسط العالم الذي يسيطر عليه الذكور، أمر يجد له علامات كثيرة في كتاب “الزهرة والسكين” للكاتبة الجزائرية زهرة بوسكين، مثلا، أو في نصوص الروائية زكية علال، صاحبة نص “قبر مفتوح”، وفي كثير من الكتابات الروائية الجادة الجريئة صاحبة النبرة الجديدة.

يرى الكاتب أن هذا السلوك ليس بعيدا عن تلك الفكرة التي يتشبث بها النقد النسائي، والتي هي أن كتابات المرأة ـ بمعزل تام عن كتابات الرجل ـ تقدم رؤية للعالم وتفسيرات للكون يمكنها ـ متى تم للنساء أمر الهدم الكلي للأبوية الذكورية والهيمنة ـ أن تعوض رؤية الرجل وتفسيره للكون ووصفه للعالم. وهذا أهم ما سيتم للمرأة الكاتبة التي ستحبل في رحم الخيال لكي تنجب شهريار مختلفا عن ذلك المختل، الذي هيمن على قصص الليالي، وهنا ـ حسبه ـ يظهر إلى الوجود تصور جديد بديل للرجل، ومشاريع صورة جديدة للشهريار، بدلا من ملامح القاتل جميل الملامح الذي يقضي الليلة في السمر، ثم المضاجعة، لكي يتحول في الصباح إلى الجفوة الكبيرة التي تعبر عنها نهاية الرواية المؤذنة بالموت.

تساءل الكاتب عن كيفية تمثيل الروائية الجزائرية رجلا يتجاوز “عقدة نهاية الرواية”، مستعدا لعيش مراحل الشراكة النفسية والمقاسمة الوجدانية لعالم تكون فيه الرواية/ الحكاية مشروعا ثنائيا، يؤدي إلى قتل واحد ووحيد، هو “قتل ثمرة القتل”، أي محاربة الإنهاك المتربص بالحكايات، من خلال تخصيب العلاقة السردية بين الساردة التي يتربص بها القتل، والمسرود له الحامل للسيف في غمد المتعة السردية.

من المثير للانتباه -حسب الكاتب- أن نجد أن المرأة تأخذ مكان الرجل، وأن المرأة ترسم الرجل، ذلك الرجل الذي يولد من ضلع الأديبة الأعوج طبعا، وهي وضعية تدفعها أحلام مستغانمي في بعض المواقع، إلى حالة “الذكوري” بالمعطى “الأنثوي”، يقول بطل عابر سرير “لأمومة اكتشفتها كما عثر أرخميدس على نظريته، وهو داخل حمامه، فذلك الوعاء الأبيض الكبير الذي يحتويني في فضاء مائي كجنين، حدث أن ولد في داخلي إحساسا غريبا، جعل من مغطس الحمام أمي… يحدث للأمومة أن تؤلمني حتى عندما لا تكون لها قرابة بي”.

صورة الرجل الذي يكتشف الأمومة، هي مشروع هام جدا في المنظور الذي نحن بصدده، والذي يهدف إلى إعادة ابتكار شهريار جديد قابل للدخول في الألفية الثالثة بسلامة، ودون إراقة دماء.

للإشارة، استعرض الكاتب أعمال الكثير من الروائيات الجزائريات البارزات، اللواتي قدمن تجاربهن في هذا الإبداع ذي الرؤية الفلسفية، التي تقدم فكرا جديدا يكسر ما كان سائدا في الرواية العربية.