"بين زمنين" بقصر رياس البحر

تلاقي الربيع والتراث

تلاقي الربيع والتراث
  • القراءات: 1180
مريم. ن مريم. ن

يحتضن مركز الفنون بقصر رياس البحر إلى غاية 15 ماي الجاري معرضا للفنانتين سعيدة بوسكين وعاليا العداي بعنوان "بين زمنين"، تبرز فيه الخبرة الفنية والمهارة في التصاميم واللوحات مع لمسة أنثوية بارزة توحي بالجمال والتفاؤل، وتشاكيل من الألوان مقتطفة من فصل الورود المعبقة.

بالنسبة للفنانة عاليا ذات الأصول الشامية، فإنها حققت الحضور بامتياز، إذ برعت على كلّ المستويات وقدّمت تحفا من عمق التراث بلمسة عصرية ذات تقنيات متعددة. ومن بين ما عرضت هذه الفنانة المتأثرة بالتراث الجزائري، نجد "الخامسة" مستعينة بالألوان في السيراميك والزجاج وفي ورق الذهب. كما قدّمت مجموعة أحجار كريمة مصنعة، ناهيك عن لوحات قماش بزخارف متنوعة مع مجموعة أخرى من الفخار، هذا الأخير الذي شد الانتباه خاصة في لونه الأزرق المستوحى من تراث القصبة العريق حيث للبحر مكانه ورمزيته.

هناك أيضا مرآة باب القصبة المبهر بالمرصع بالأحجار والزراكش، تبرز فيه حياة البذخ التي عاشتها القصبة في عز أيامها الخوالي، وهنا طغى اللون الأخضر، وبالقرب منها وضع طاقم فخار بنفس اللون.

كما خصصت الفنانة مساحة للتراث المشرقي من خلال بورتريه امرأة حملت نفس تقنيات وألوان السيراميك.

ويبدو المعرض وكأنّه متحف للقطع الأثرية والتحف من فرط الإبداع الذي أبدته الفنانة، من تحف ولوحات وطواقم وأشياء أخرى جلبت الجمهور الذواق.

كما حضرت تقنية التزهير، ورصّعت بها بعض القطع المعروضة، وكانت من كلّ الألوان والأشكال، واستغلت هذه الفنانة الزخرفة الجزائرية الأصيلة، تماما كما كانت منذ قرون، بينما في أعمال أخرى أطلقت الفنانة العنان لمخيّلتها وإبداعها، كما اعتمدت في خلفيات بعض رسومها على اللونين الأزرق والأخضر، كما استعانت بالوردي والأحمر والبنفسجي وغيرها.

وظّفت الفنانة أيضا الرموز والمنمنمات.. أما المرايا، فاكتظت أطرها بالزخرفة الدقيقة والراقية، أبدعت الفنانة أيضا في أطر المرايا وفي صناديق العرائس بالأسلوب المزهر الغالب على خلفياته الأخضر والأزرق، وكل ما يوحي بالبيت الجزائري العتيق.

من جهتها، برزت الفنانة سعيدة بوسكين بلوحاتها ذات الروح المرهفة والجمال الجزائري الأصيل والطبيعة الربيعية الفاتنة المتفتحة بمروج الأقحوان. وتحاول الفنانة جاهدة استحضار بعض خصوصيات فصل الربيع من خلال الورود المعبّقة على كل شكل ولون، مع سيادة الأقحوان الذي تتعطر به الأرض الجزائرية الطيبة، لينتشر الاحمرار في كل الأرجاء وتنتشر معه البهجة.

زهور أخرى ظهرت في المعرض وهي الأكثر حضورا على أرضنا والمرتبطة بثقافتنا وعاداتنا الاجتماعية، بقيت حاضرة تزيّن الحياة والمواسم. في شق آخر من المعرض، امتدت لوحات أخرى لسعيدة خاصة بالبورتريهات، أغلبها لوجوه نسوية، كان أبرزها بورتريه السيدة الترقية بكل أصالتها ووقارها وجمالها الرباني، عاكسة للثقافة المحلية والتقاليد وعلى رأسها العزف على آلة الإمزاد.

جل الأعمال المعروضة لكلتا الفنانتين تعبر عن مسارهن الفني المختلف من فنانة إلى أخرى ومن لوحة إلى أخرى، وكذا عن طموحاتهن وأمالهن في الارتقاء بالفن التشكيلي الجزائري وفي نقل أحاسيسهن بعفوية، كما تتناول اللوحات الفنية المستمدة أساليبها الفنية من الانطباعية والواقعية، ومن الخط العربي والمنمنمات والنحت عدة مواضيع اجتماعية تصور عادات وتقاليد المجتمع وتعبر عن قضايا إنسانية وتنقل صور من طبيعة الجزائر، كما يظهر جليا من خلال الأعمال المعروضة مدى التفنن في الألوان التي تشد انتباه المشاهد مع استخدام بعض التقنيات الحديثة.

ما ميز هذا المعرض أيضا الرقي في الأسلوب وفي المواد المستعملة وكذا في تفاصيل العمل التي تمتد حتى الإطار، مع حضور المذهب الذي يعبر عن الفخامة خاصة في أعمال التراث التي قدمتها عاليا بتمكن شديد.