معرض "المعلم وتلاميذه" بمتحف "مصطفى باشا" للمنمنمات والخط العربي

تكريم لرائد الفنون التطبيقية ابن دباغ

تكريم لرائد الفنون التطبيقية ابن دباغ
  • القراءات: 2205
مريم. ن مريم. ن

يستعيد المتحف العمومي الوطني للزخرفة والمنمنمات وفن الخط، ذكرى الفنان العملاق وأب الفنون التطبيقية في الجزائر مصطفى بن دباغ، من خلال معرض بعنوان " المعلم وتلاميذه"، ضم روائع من اللوحات التي تعكس الرقي الذي وصله هذا الفن في بلادنا. المعرض مناسبة مفتوحة إلى غاية الـ26 مارس، للتعريف بتراث هذا الفنان الذي جابت أعماله القارات الخمس منذ عشرينيات القرن الماضي. شاركت في المعرض كوكبة من الفنانين، أغلبهم من تلاميذ الراحل، سجلوا حضورهم على الساحة الفنية العالمية، وعكسوا بأعمالهم مستوى التكوين ومهارة التجسيد والتطبيق، فكانوا بحق في مستوى تراثنا الفني الوطني الذي أسسه الرواد، ومنهم الراحل ابن دباغ ابن القصبة الذي شرب كغيره من مائها وتشبع من تراثها، لذلك بقي وفيا لها وللجزائر من خلال الإبداع ضمن الشخصية الجزائرية.

ضم المعرض عدة أجنحة إضافة لمعرض خاص بصور الراحل وشهاداته العلمية وتكريماته، وما كتبت عنه الصحافة الوطنية والأجنبية، إضافة إلى بعض مخطوطاته الأصلية من رسومات وكتابات. ومن بين المشاركين، نجد بومالة عبد القادر في الخط العربي، المتخرج من المدرسة العليا للفنون الجميلة في نهاية الستينات، والذي واصل دراساته العليا بالقاهرة سنة 1974، ليختص بعدها في تصميم كتب الأطفال. عرض الفنان في عواصم عالمية كثيرة وسبق له أن شارك في تكريم بن دباغ في حياته، وحضر هذه المرة بلوحات راقية ينطق فيها الخط العربي جمالا وفنا باستخدامه لتقنيات فنية متعددة، سواء الكلاسيكية أو العصرية الغربية. حضر أيضا الفنان داود محمد صادق بكل طاقته، وهو أخ شقيق للفنان الراحل، حيث ينتسبان لنفس الأم وهي القصبة، وفضل الفنان أن يركز في مختاراته على الخشب المزخرف بشتى أساليب التزهير وبألوان مستقاة من الذوق العاصمي الأصيل ، كما استحضر الفنان الذاكرة من خلال بعض القطع، منها مثلا ديكور البيت ومهد الرضيع وآنية البوقالة ومعلاق الملابس الذي يشبه السيف القاطع والفنيق وغيرها من الأشياء، وغالبا ما يركز الفنان على اللونين الأخضر والأزرق (الفاروزي). دائما وضمن هذا الديكور التقليدي الذي حسن توظيفه وتنميقه وربطه بماض مجيد، نجد الفنان رزوق محمد رضا براهم يتمادى في الإبداع والنبش في التراث الإسلامي مترامي الأزمان والأوطان.

لا ترى العين في هذا المعرض سوى الباقات الموردة والمزهريات والأماكن العريقة بالعاصمة، حفظت من العهد العثماني والأواني والخط العربي والمرايا والصناديق واللوحات المرسومة، وفي كل ذلك اجتهد المجتهدون، لكن ذلك تجاوز بكثير الاجتهاد، ليصل إلى النبوغ والروائع، مما جلب جمهورا ذا نوعية، أطال في تمحص كل ما يرى من هذا الجمال الذي قد لا يراه في أي مكان آخر. خصص جناح للجداريات التي اكتست بالزخرفة الرخامية وبالألوان الزاهية، تماما كما لو كانت قطعة من الجنة وقع أغلبها الفنان جاب الله السعيد. تقرر اللوحات والمجسمات والقطع أن لا تنتهي، والغريب أن الزائر لا يكل ولا يمل ولا يمنع عينيه من طلب المزيد، بسبب الاختلاف والتنوع الحاصل، فلكل بصمته وتميزه، ولا شراكة حتى وإن تشابهت المرايا والصناديق والخطوط واللوحات التجريدية.

ابن دباغ ضيف شرف 

حرص المنظمون على حضور ابن دباغ من خلال بعض أعماله التي هي غاية في الدقة والأصالة، وتبدو بمسحة قديمة كأنها من التراث، وقد التزم قدر المستطاع بالأسلوب الجزائري الكلاسيكي، سواء في الزخرفة أو في الألوان (أغلبها داكن، خاصة الأخضر). أغلب أعمال الراحل مصطفى بن دباغ كانت محفوظة عند أصدقائه أو عائلته، علما أن اللوحات والرسومات تحتل الجانب الأكبر منها الزخارف العربية والنقوش المستمدة من التراث الإسلامي، مع الحرص على التكامل والانصهار، خاصة بالنسبة للزخارف الحلزونية والخطوط، مما يضفي لمسة شاعرية وتكمل كل ذلك الحروف العربية ذات العفوية. ورغم صرامة أعمال الراحل من حيث الالتزام بمناهج التكوين، إلا أنها لينة أيضا في طريقة عرضها، تماما كطريقة الحرفة الشعبية، وهو شبه كبير مع الراحل محمد راسم. ابن دباغ استطاع أن يعيد تشكيل فن الزخرفة بقالب جديد سبق عصره،  مما جعل منه مدرسة للأجيال.

للتذكير، ولد ابن دباغ سنة 1906 بالقصبة، وهو من عائلة فنية، كان والده نقاشا حرفيا وجده لأمه فلكيا ورياضيا، ثم هاجر مصطفى مع عائلته سنة 1911 إلى تونس، ليعود بعد 3 سنوات واتصل بفناني تلك الفترة، منهم الفنان التركي دلاشي عبد الرحمن، ثم عند سوبيرو ولانغلوا في الفن الفارسي، وبعد مراحل صعبة، التحق الراحل بجمعية "شمال إفريقيا للفنون الزخرفية" وكانت بتمويل من مناضلين سياسيين جزائريين، حيث اجتهد في التصدي لحملات التشويه التي مارسها الاستعمار من خلال فنه بدأت معارض الراحل بمارسيليا سنة 1922، ثم بالمعرض العالمي في بريطانيا سنة 1929، ليعين سنة 1943 كمؤسس للفنون التطبيقية في الجزائر، ودرّس بالمدرسة العليا للفنون الجميلة ابتداء من سنة 1955، لتتواصل مسيرته بعد الاستقلال بكثير النجاحات، وقد قدمت في المعرض شهاداته الأكاديمية وما كتبه النقاد عنه وتكريماته، إضافة للجوائز التي حصدها عبر العالم في روسيا وأوروبا الشرقية وآسيا ومعارضه وأعماله التي طافت المعمورة، وتوفي سنة 2006.

تثمين المعارض ومجانيتها خصوصية جزائرية

التقت "المساء" ببعض الزوار الذين عبروا عن اندهاشهم من هذا المستوى،  علما أن غالبيتهم من حي القصبة وما جاوره، إضافة إلى زائر جاء خصيصا للمعرض من ولايته بجاية، قال لـ"المساء"؛ أنا فنان تشكيلي اسمي أمزيان حميد، مختص في التجريدي والتصويري، جئت لأستمتع بهذه الروائع، وكلنا كفنانين محتاجون للمعارض حتى نكتسب أفكارا جديدة، خاصة إذا كانت من جيل الرواد، وأشير إلى أنه في البلدان المتقدمة، منها بريطانيا وألمانيا وفرنسا، ينظمون كل أسبوع معرضا، لأن المعارض علاج تطبيقي فعال للناس، يساعد على التخلص من الأحقاد والتوتر". ثم يؤكد المتحدث أن الجزائر هي الوحيدة في العالم من تنظم المعارض بالمجان، معتبرا ذلك نعمة على الجمهور أن يستغلها، داعيا إلى تفعيل الدعاية في هذا الفن الراقي الذي يخدم هويتنا وذوقنا العام.