شهر التراث بمدينة الصخر العتيق

تقطير الورد والزهر.. عادة راسخة في الذاكرة الجماعية

تقطير الورد والزهر.. عادة راسخة في الذاكرة الجماعية
  • القراءات: 378
ز. زبير ز. زبير

يستضيف بهو قصر الثقافة "محمد العيد آل خليفة" في قسنطينة، تزامنا مع الاحتفالات بشهر التراث، الممتد إلى غاية 18 ماي المقبل، معرض تقطير الزهر، بغية تثمين هذا الموروث الثقافي المادي، الذي تشتهر به عاصمة الشرق، وإبراز مدى تمسك العائلات القسنطينية بهذه العادات الراسخة في الذاكرة الجماعية، منذ عدة قرون.

تعكف مديرية الثقافة بولاية قسنطينة، منذ سنوات، على الحفاظ على عادة التقطير، من خلال تنظيم معارض خاصة بها، تُستغل لعرض الحلويات التقليدية المعطرة بماء الزهر والورد، صناعة القطار، قارورات الزهر والورد، مغلفات مختلف الزهور الطبيعية وكذلك النباتات العطرية المستعملة كمادة أولية لتقطير الزهر والورد، الطبخ التقليدي القسنطيني المعطر بماء الورد والزهر وكذا معارض في الفنون التشكيلية والصور الفوتوغرافية.

جرى خلال معرض هذه السنة، استعمال أحدث تكنولوجيات العرض الهولوغرامية، حيث أُفتتح شهر التراث بالاعتماد على المضيفة الهولوغرامية، للتعريف بهذه العادة القسنطينية العريقة، بالإضافة إلى استخدام الأهرامات الهولوغرامية، للتعريف بالمواقع والمعالم السياحية بقسنطينة، وكذا موروثها التراثي المادي وغير المادي، وشملت أهرامات العرض الهولوغرامية جسور قسنطينة الثمانية، الأزياء التقليدية القسنطينية، صناعة النحاس، المواقع والمعالم السياحية وأشهر الفنادق، بالإضافة إلى حدائق الزهر والورد.

"البيضاء" للزهر و"الوردية" للورد

يؤكد الحرفيون المتمسكون بعادة التقطير، أنه خلال فصل الربيع وأثناء الانطلاق في عملية التقطير، تتعبق البيوت القسنطينة بالعطور والروائح الزكية، مضيفين أن من بين خفايا هذه الحرفة "لباس التقطير"، حيث ترتدي السيدات "قندورة" بيضاء، عند تقطير الزهر ووردية عند تقطير ماء الورد.

تجري عملية التقطير من خلال القطار التقليدي النحاسي، حيث يُوضع الماء ليغلي في قدر كبير أو ما يعرف بـ"الطنجرة"، وهذا القدر يشكل الجزء السفلي للقطار، أما الجزء العلوي فيسمى "الكسكاس"، ويكون مفتوحا من الأسفل عبر عدد من المسامات، ويتم وضع "الطنجرة" وبها كمية من الماء والأزهار أو ما يعرف بكبة الأزهار، على النار، إلى درجة الغليان، حيث يرتفع بخار الماء والعطور إلى "الكسكاس"، الذي يكون مزودا بقناتين، الأولى لاستخلاص ماء الورد، يصل مباشرة إلى مكان تكثف البخار، والثاني للتخلص من ماء التبريد الذي يسخن، كما يوجد بـ"الكسكاس" تجويف مقعر من الداخل ويبدو كالقبة من الخارج، إذ يتكاثف البخار فيه للحصول على قطرات الماء المقطر المستخلص، وهذا ما يمكن من الحصول على ماء خالص مقطر يسمى "رأس القطار"، يُجمع في قارورة زجاجية تسمى "المقفلة"، وهي نوع من القنينات المغلقة بإحكام.

عادات تمتد لأكثر من أربعة قرون

وفقا لما يتحدث به المهتمون بتقاليد قسنطينة والباحثون في تاريخها، فإن عادات تقطير الزهر والورد، تعود إلى القرن السابع عشر، وبالتحديد إلى سنة 1620 ميلادية، حيث تشير الروايات إلى أن الصينيين هم أول من جلب هذه العادة إلى قسنطينة، خلال الحكم العثماني، بعدما جلبوا نوعا خاص من النباتات التي تستعمل أزهارها في التقطير، حيث أعجب سكان المنطقة بالماء المستخلص، والذي يفوح بالعطر الطيب والرائحة الزكية، ما شجعهم على الاستثمار في هذا الجانب، وزرعوا هذه الشجرة في بساتينهم وحقولهم وعلى جوانب الطرقات، وكانت هذه الأشجار تزين المنطقة في كل فصل ربيع، ويعود عمر بعض الأشجار، حسب تأكيد سكان المنطقة، إلى أكثر من قرنين ونصف القرن، في حين تشير بعض الروايات إلى أن هذه العادة تمتد إلى أكثر من 12 قرنا.

محسن للمزاج مضاد لضربات الشمس

تعرف عادة التقطير بقسنطينة، التركيز على استخلاص مادتين، ويتعلق الأمر بماء الزهر، الذي يتم استخلاصه من شجر النارنج، الذي يشبه أشجار البرتقال، في حين يتم استخلاص ماء الورد من مختلف أزهار الورد، خاصة ذات اللون الوردي، ويتم استخدام المواد المستخلصة في المطبخ القسنطيني بشكل كبير، على غرار الحلويات التقليدية كـ"البقلاوة، طمينة اللوز، القطايف وكذا خبز الدار والشريك"، حيث يتم إضافة ماء الورد ويتم تعطير القهوة بماء الزهر الذي يستعمل في تعطير أطباق "الرفيس، طاجين العين، شباح السفرة، كذا المشلوش والمقرود"، كما يتم استخدامها في العديد من الوصفات العلاجية.

يستخدم ماء الورد في تصنيع العطور، كما يستعمل كمعقم ومضاد للميكروبات ومضاد للالتهابات الجلدية، وكمضاد للسعال وموسع للقصبات ومرطب للبشرة ومنعم للشعر ومزيل لترهلات أسفل العين ومضاد لالتهابات العين، ويعرف عنه أيضا أنه مضاد لنوبات الصرع وحافظ للذاكرة ومضاد للاكتئاب ومحسن للمزاج.

أما ماء الزهر الذي يمتلك العديد من الفوائد والاستخدامات المختلفة، فيستعمل في معالجة الزكام والتشنجات، وتقوية المعدة، كما يستعمل في علاج حب الشباب وإعطاء الجلد الحيوية والانتعاش، خاصة أنه يعمل على السيطرة على إفراز الزيوت الزائدة في البشرة، ويساعد على محاربة التجاعيد، من خلال تسهيل تقشير البشرة ومحاربة الجفاف، مع المساعدة على علاج الحروق السطحية وضربات الشمس والتخفيف من قشرة فروة الرأس وإصلاح الشعر التالف والمجعد، وكذا تخفيف التوتر والضغط النفسي، ويعمل على علاج مشاكل اللثة وتقوية الأسنان.