ندوة المفاهيم الأخلاقية

تفصيل لمشروع حداثي بعقلية الراهن

تفصيل لمشروع حداثي بعقلية الراهن
  • القراءات: 876
مريم. ن مريم. ن

نظم مركز نهوض للدراسات والبحوث بالكويت، مؤخرا، ندوة نقاشية حول كتاب "المفاهيم الأخلاقية بين الائتمانية والعلمانية" للفيلسوف طه عبد الرحمن، بمشاركة الباحث الجزائري الدكتور عبد الرزاق بلعزروق، أستاذ الفلسفة بكلية العلوم الاجتماعية والإنسانية بجامعة سطيف، وشمل النقاش مشروع طه عبد الرحمن في بناء طريق آخر في الفكر والفلسفة.

شارك في الندوة أيضا، الدكتور معتز الخطيب، أستاذ مساعد في مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق، كلية الدراسات الإسلامية، جامعة حمد بن خليفة، سوسن العتيبي الحاصلة على دكتوراه أصول الدين ومقارنة الأديان من كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، وأدار الندوة الأستاذ أسامة غاوجي، مترجم وباحث في شؤون الفلسفة والفكر. ظل الفيلسوف طه عبد الرحمن، منذ عقود، يشتغل بالأخلاق، معتبرا هوية الإنسان هوية أخلاقية، ولم يزل كذلك إلى أن توصل إلى إنشاء نظرية أخلاقية غير مسبوقة تُعرف الإنسان بكونه كائنا ائتمانيا، جاعلة "أخلاقية الإنسان" تتحدد بتحمله مسؤولية تتسع للكون كله، وقد بسط في هذا الكتاب، صورة متكاملة ومتناسقة لهذه النظرية الائتمانية المتميزة، فعرَض مجموعة من مفاهيمها الأساسية.

أنموذج "الائتمانية" ينتقد كلا من الحداثة ومنظومة التراث، ليقدم طرحا بديلا للمقاربة الدينية أو العلمانية الذائعة، ومقومات هذا الأنموذج نبعت من سيرة الفيلسوف طه عبدالرحمن. فالأخلاق كمسلك للتنظير والبحث، هو فرع جديد في الفلسفة الحديثة، لأنه مرتبط بما يسمى العلمانية، أي بالعصر الذي يحكم فيه العلم الطبيعي العالم، والعلمانية، أي بالعصر الذي يهتم فيه بهذا العالم المرئي الطبيعي، في الزمان والمكان، وليس بالعالم الأخروي الذي شغل ويشغل مكانا مهما في علوم الدين. في العصر الحديث، كانت المدرسة الفلسفية المصرية في بدايات القرن العشرين أهم مدرسة تكتب في الأخلاق، وظهرت تيارات مختلفة أساسا مع لطفي السيد ومصطفى عبد الرازق، وكذلك بشكل فردي تقريبا مع عبد الرحمن بدوي.

لكن ذلك الزخم الفكري في الكتابة في الأخلاق في السياق العربي الحديث اضمحل، وعاد للسطح نتيجة أحداث سياسية دولية، أهمها اتهام الإسلام بالإرهاب في السياق الغربي، فعاد العالم العربي إلى المدرسة المصرية، ويذكر هنا كتاب الجابري بعنوان "العقل الأخلاقي العربي"، والذي لقي نقدا هاما. كتب في الأخلاق بشكل سريع، مفكرون بارزون آخرون، لكن المفكر الذي جعل منها نسقا متكاملا و"مدرسة فلسفية" في الفكر العربي الحديث والمعاصر هو طه عبد الرحمن، ورأى أنه لا توجد فلسفة أصيلة بدون منظور أخلاقي، لذلك حاول عبر مشروعه الكبير، رفع الفلسفة العربية إلى العالم الإسلامي كله، وإلى الإنسانية قاطبة.

اتفق النقاد على أن أغلب المفكرين والفلاسفة العرب المعاصرين يتحدثون عن قوة الأخلاق في التراث العربي والإسلامي، لكن أحدا منهم لم يجعله مركز فلسفته، وطه هو الوحيد الذي فعل ذلك لحد الآن. مشروع هذا الفيلسوف، رغم كل النقد الذي يوجه له، مشروع فلسفي أصيل ومبدع، اختار الأخلاق كرسالة إسلامية يتفلسف من خلالها، فأنتج فكرا إسلاميا أخلاقيا حديثا أصيلا، واختار اللغة العربية كذلك ليتفلسف من خلالها، فأعاد للغة قوتها الفلسفية. للتذكير، فإن هناك اهتمام متزايد بفكر طه في عدد من الجامعات الأوروبية، والأمريكية وفي العالم الإسلامي، كما هو الأمر بالجزائر وتركيا وماليزيا.