الجزائر الوسطى تحتفل بذكرى استشهاده الستين

تفاصيل جديدة عن اغتيال بن مهيدي

تفاصيل جديدة عن اغتيال بن مهيدي
  • القراءات: 7262
 مريم. ن مريم. ن

تعود ذكرى استشهاد البطل بن مهيدي لتكشف عن معطيات جديدة متعلقة بظروف اغتياله تحت التعذيب الوحشي، من ذلك، المزرعة التي قتل فيها وتفاصيل أخرى عن توقيفه. نشط لقاء هذه الذكرى كل من السيدة ظريفة شقيقة الشهيد والسيد بلعيد عبّان والمخرج بشير درايس، وبحضور الأسرة الثورية وجمع من المثقفين والمؤرخين ومن جمعيات المجتمع المدني الذين اكتظت بهم قاعة سينما الشباب بشارع العربي بن مهيدي بقلب العاصمة.

تحدّث المخرج درايس عن أهمية الذكرى التي تنفع جيل الشباب وتفتح أعينه على تاريخ مجيد صنعه عظماء، ثم أعطى الكلمة للسيدة ظريفة التي استعان بها كثيرا لإنجاز فيلمه عن الشهيد بن مهيدي وسألها عنه فقالت إنه كان مناضلا ثوريا تبنى فكرة الاستقلال بشكل راديكالي، ورغم تعدّد مشاربه لكنه بقي وفيا لحزب الشعب ولم يكن كما يشاع اليوم بأنه تبنى سياسة جمعية العلماء رغم دينه، كما كان الشهيد رياضيا وكشافا.

عن الشهيد العربي بن مهيدي تقول السيدة ظريفة «هو واحد من ملايين شهداء الجزائر، ترعرع بقريته بأم البواقي ودرس فيها القرآن الكريم ولم نراه يوما موظفا أو أجيرا منذ إتمام دراسته، حيث وهب حياته للسياسة وكان منتظرا أن يكون في قلب الثورة». وتواصل الحديث عنه بأنه درس عند خاله بباتنة ثم أكمل في ثانوية العمودي ببسكرة لكن الدراسة لم تكن همّه الأول.

تحدّث الكاتب والمؤرخ بلعيد عبّان (ابن أخ عبّان رمضان) عن الشهيد قائلا إن أحداث 8 ماي 45 كانت منعرجا مهما في مسيرته، وبالتالي اقتنع أن تفجير الثورة مجرد مسألة وقت، وظلّ منتظرا اللحظة لذلك لم يكن متأثرا بأزمة حزب الشعب في 53 بين المركزيين والمصاليين.

من جهته، تحدث مخرج فيلم «بن مهيدي» بشير درايس عن الشهيد في مواطن كثيرة ظهر فيها ومنها مجال الفن، حيث شارك في مسرحية «تاج» (نص لفرانسوا كوبي) وكذا في فريق كرة القدم ببسكرة وغيرها.. وكلها مجالات اتخذها كمقاومة، ونتيجة هذا النشاط منه المجال السياسي، جلب إليه الراحل محمد بلوزداد ليختاره بعد عديد المقابلات معه (ذكر أنه تحصل على أرشيف مهم) ليترأس خلية «لوس» (المنظمة السرية) بالشرق الجزائري.

تروي السيدة ظريفة كيف التقاها الراحل بيطاط كي ينبه أخاها العربي بأنّ فرنسا ستقبض عليه، ففر من البيت بعدما أحرق صوره ووثائقه ولم يترك شيئا، فما كان من العدو إلا أن استعان حينها بصورة له مع فريق بسكرة لكرة القدم، ومنذ ذلك الحين لم يعد يزور بيت أهله حتى استشهد. وبدوره استعان بأخته لينبه ديدوش مراد ويوصيه بالفرار.

أشاد درايس بحنكة الشهيد وبسمعته لذا اختير أن يكون منافسا ومزحزحا لمصالي الحاج في مسقط رأسه تلمسان، وكان بذلك أحسن بديل له، وحشد الجماهير التلمسانية للثورة، كما عمل في أغلب ولايات الغرب الجزائري بتكليف من بلوزداد، وعاش كغيره من القادة مفجري الثورة ظروفا لا يصدقها عقل بشر.

ظلت السيدة ظريفة تذكر تلك اللقاءات الحميمة والأسرية مع أخيها الذي اضطر لمغادرة البيت منذ سنة 1951، لكنه كان أحيانا يتحين الفرصة لزيارة العائلة خلسة، وفي أغلب الأحيان، كان ذلك بشواطئ سكيكدة خلال موسم الاصطياف (منطقة جوندار)، وأحيانا كان الراحل آيت أحمد يساعد بن مهيدي في تمويه العدو كي لا يعرف مكانه، فمثلا كان يوما بالولايات المتحدة وبعث برقية باسم بن مهيدي لعائلته، فظنّ العدو أنّه ببلاد العم سام وهكذا كانت تجري الأمور.

ومن الأمور الطريفة التي روتها أخت الشهيد، أنه قبيل تفجير الثورة طلب من قادتها أن يزوروا عائلاتهم ويمكثوا معها 15 يوما، وبالفعل قدم العربي ومعه بن بولعيد فوجدا في المنطقة سباقا للدراجات النارية فقاما بالانضمام للسباق كتمويه منهما، لكنهما تعرضا لحادث وأصيبا وجاءت الشرطة للتحقيق فأوهمها أنهما كانا يراقبان السباق فنجيا من الاعتقال.

أكد الحضور أيضا على أنّ الشهيد كانت تربطه علاقة قوية جدا بعبّان رمضان وكانا يتقاسمان نفس المبادئ، منها أولوية الداخل على الخارج، وفتح باب الثورة لكل جزائري مهما كان دينه أو إيديولوجيته، واستطاعا معا تجسيد تحدي مؤتمر الصومام، كما تم استعراض دور بن مهيدي في جانب التسليح وإنشاء القيادة العامة للجيش (كلف بإمضاء الاتفاقيات والعقود مع الخارج) وكذا في «المالغ».

لا يمكن الحديث عن الشهيد بن مهيدي دون الحديث عن إدارته للمنطقة الحرة بالعاصمة، ودوره في إضراب الـ8 أيام، ثم اعتقاله واستشهاده ولم يعرف إلى اليوم من أوشى به علما أن بلعيد قال إنها الظروف ومسار التحقيقات، في حين قالت السيدة ظريفة، هناك من «باعه» وستكشف الأيام عنه، وكان للعائلة موقف من بعض الأسماء يتقدمها الراحل إبراهيم شرقي لكن الأسرة الثورية برّأته.

في النقاش المفتوح مع الجمهور النوعي الحاضر، توالت الشهادات منها شهادة أحد المجاهدين من القصبة، الذي توقف عند تحقيقات عقارية من المظليين برئاسة ماسو عن شقق شارع ديبوسي بالعاصمة، وفيها تم اكتشاف وكالة جاني طاكسي التي تتعامل مع أحد الجزائريين، حيث يقوم بكراء الشقق الأوروبية للعرب (الجزائريين) وقام بكراء شقة الراحل شولي لبن مهيدي، ثم قبض على الشهيد في شقته، علما أن الشقة في الطابق الأول كانت لبن خدة ولم يكن يعلم أن العربي في الطابق الرابع فهرب ليحذر عبان وبالتالي نجيا معا دونه.

من الشهادات أيضا استحضار ذكرى رشيد أوعمارة بطل القصبة المغوار الذي اعتقل مع ابنه مختار ذو الـ17 سنة وتعرّض للتعذيب والقتل أمام ابنه بالأبيار، وهذا الزعيم كما يصفه القصباويون هو من زرع أوّل خلية لحزب شمال إفريقيا بالحي عام 1934 بمقهى أرزقي مداد، والتي أخفت إبان الثورة قادتها منهم بن خدة وكريم بلقاسم وغيرهما، وهناك أيضا الشهيد علي أوفرشوخ الذي كان قائما على أمن بن مهيدي وعلى بعض الفدائيات والتي أبيدت عائلته.

تم في هذا اللقاء الذي نظم تحت شعار «مسار وذكرى»، ولأول مرة تحديد مكان قتل الشهيد بن مهيدي وذلك بحوش سيقو بالشبلي (مزرعة روبير مارتن المسماة البجعة) وهي مكان ذو رمز للوجود الاستعماري في الجزائر وكانت بعدها وكرا لمنظمة اليد الحمراء الإرهابية.