معرض الفنان عبد القادر روابح برواق حسين عسلة

تفاصيل الرتوشات في حوارٌ حميميٌّ

تفاصيل الرتوشات في حوارٌ حميميٌّ
  • القراءات: 625
مريم. ن مريم. ن
يقيم الفنان عبد القادر روابح معرضه التشكيلي "ألوان من الذاكرة" برواق "حسين عسلة"، وذلك إلى غاية الخامس فيفري القادم، مستلهما أعماله من التراث ومن القراءات الفلسفية وأيضا من التحوّلات التي تنخر هوية الشعوب، حيث اكتظ المعرض بلوحات الفنان التي تجاوزت الأربعين، وأغلبها من الحجم الكبير، أنجزها الفنان في السنوات القليلة الماضية، وتعكس كلّها مدى المواظبة على الريشة والبحث الذي لا يكفّ روابح عن الالتزام به كأداة فعّالة في أيّة عملية إبداع.
تشعّ الألوان من هذا المعرض وتلبس عباءة الأسلوب التجريدي الذي يسيطر بقوّة، ليطلق العنان لقدرات الفنان المتدفّقة في كلّ المناحي، تبحث عن مكانها المناسب وعن مجالات التكامل أو الارتباط.
التقت "المساء" في المعرض بعبد القادر روابح الفنان الهادئ والحسّاس الذي لا يسمح لذاكرته بأن تسقط صورا وأحداثا عايشها بوجدانه، وهنا يصرّح: "المعرض يحمل الكثير من ذكريات حياتي، ويحمل أيضا حوارا مباشرا مع الألوان، وقد عمدت في المعرض إلى استخراج معالم تراثنا من ذاكرتي؛ على اعتبار أني زرت أغلب المدن والقرى المنتشرة عبر الوطن، إضافة إلى ذكريات الطفولة بمسقط رأسي برأس الوادي ببرج بوعريريج؛ حيث كانت تجذبني الألوان والأشكال. وأذكر أني تعلّمت الرسم في المسجد؛ ففيه كنت أنجذب إلى الزرابي (الحنبل) المفروشة بأشكالها وألوانها، ثم عشت حضور المرأة في المناسبات الاجتماعية وفي الأشغال التقليدية، وكلّ تلك الأمور عزّزت منحى الهوية الثقافية بداخلي".
وبالنسبة لاستعماله الأسلوب التجريدي ردّ بالقول: "التجريدي مدرسة فنية تجاوزها الزمن، لكني عمدت إلى إعطاء هذا الأسلوب ملامح جزائرية خالصة؛ من خلال توظيف الخصوصيات اللونية والرمزية، فمثلا بالنسبة للدلالات اللونية عرضت اللون الأبيض بدلالته الجزائرية؛ فهو لون الموت والكفن، عكس المعتقد الغربي، الذي يرى فيه رمزا للفرح. نعلم أنّ في ثقافة مجتمعنا تسود الألوان الزاهية، مثلما هي الحال في بلاد القبائل وفي مسقط رأسي أيضا، مثل الأصفر الفاقع والبرتقالي، وكذلك من حضور اللون في المعتقد الديني وفي القرآن، الذي يتناول الألوان، كما هي الحال في سورة البقرة". ويعتمد الفنان أيضا على اللون الأزرق؛ باعتباره لونا للهدوء والحكمة، ويعطي للعين مجالا من الراحة والاسترخاء.
من جهة أخرى، يؤكّد الفنان عبد القادر أنّه لا ينحاز للون معيَّن؛ فهو يستعمل كلّ الألوان على الرغم من تكراره للبرتقالي والأزرق، وذلك لضرورة فنية أيضا؛ باعتبارهما يكملان بعضهما البعض في مجال الرؤية؛ أي أنّ البرتقالي يستلزم حضور الأزرق، والعكس.
وبالنسبة للأشكال، تتردّد المستطيلات والمربعات، وعنها يقول الفنان: "المستطيل شكل مألوف يدخل ضمن اليوميات، وهو شكل يريح العين. أمّا المربع فهو شكل مغلق يعبّر عن الروتين، كما يوجد هذا الشكل خاصة بالمربعات الصغيرة المتسلسلة في الزخرفة الإسلامية، وفي تربيعة الشيعة مثلا". وتوجد في لوحات المعرض المساحات والخطوط ذات الرمزية المطلقة. وتوحي "الأفقية" منها مثلا، بالموت والجمود، أمّا "العمودية" فدلالتها الحركة والالتزام.
وتوجد باللوحات أيضا أشكال مختلفة للقباب، التي يعتبرها الفنان غنى للوحة، وأحيانا يرسمها بشكل عفوي، ولا يكتشف شكلها إلاّ عند نهاية الرسم. كما تحضر المرأة بكلّ ثقلها في هذا المعرض، ويرتبط شكلها أو طيفها أساسا بالألوان، وهنا يؤكّد عبد القادر: "تظهر المرأة في أغلب لوحاتي بعالمها الداخلي، الذي يعكس حرارة الجوّ الأسري؛ فنجدها في جلسة عرس أو في تحضيرها للكسكسي (الفتيل) وغيرهما، والحقيقة أنّ هذه الأجواء سحرت الكثير من الرسّامين ابتداء من الفنان دولاكروا في رائعة "نساء الجزائر"، التي برزت فيها "حميمية الداخل".
ويجسّد المعرض الأشكال الآدمية أو ما يسمى بمحمولات الوحدات الكبرى مع محاولة تلخيص التفاصيل وعمل الفنان في بعض اللوحات على تحديد الجسم؛ وكأنّه ملفوف يغطي الأيدي والأرجل. وتبقى الوحدة الكبرى للوحة هي العلامة المهيمنة فيها؛ سواء بحجمها أو بمحمولاتها، وبالتالي تبقى هي المفتاح وسند التأويل، وذلك ضمن نسق دال، يعمل على توحيد مركبات اللوحة. وتظهر الشخوص أيضا في حالات جلاء ووضوح، وأحيانا في تخفٍّ؛ وكأنّها تختلس النظر كي تراقب شيئا ما.
في حديثه الهادئ مع "المساء" كان الفنان يركّز في كلّ مرة على أهمية التكوين العلمي والثقافي للفنان؛ كي يستطيع تقديم الإبداع، وليواكب التحوّلات ويكتشف المكنون ويعبّر عن آرائه ومواقفه من ذلك، مثلا التحفّظ على مفهوم العولمة الثقافية، التي تلغي بالضرورة الآخر لتدمّر هويته، وهو يرى ضرورة التمسّك بالخصوصيات ودلالاتها.
للتذكير، سبق للفنان أن تناول موضوع "الذاكرة الجماعية" من خلال معرض خاص بعنوان "الانكسار والانتصار"، شارك به في تظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية سنة 2007"، وخصّصت له وزارة الثقافة حينها دليلا خاصا عن لوحاته التي استعرض فيها ذاكرة العشرية السوداء، التي أكلت أكثر من 10 سنوات من عمر الجزائر وأبنائها.
الفنان عبد القادر روابح من مواليد أكتوبر 1969، وهو خريج المدرسة العليا للفنون الجميلة بالجزائر. عمل مستشارا رئيسا بدار الثقافة ببرج بوعريريج. وله العديد من المعارض عبر الوطن وفي الخارج. كما توجد أعماله في بعض المجموعات والمتاحف بالعراق وفرنسا، واسمه موجود في التصنيفات والقواميس الفنية الجزائرية.