عرض «الآن يمكنكم المجيء» بمتحف الباردو

تشريح ظاهرة الإرهاب خلال العشرية السوداء

تشريح ظاهرة الإرهاب خلال العشرية السوداء
  • القراءات: 1703
 مريم. ن مريم. ن

احتضن متحف الباردو بالعاصمة في نهاية الأسبوع، عرض فيلم «الآن يمكنكم المجيء» بحضور مخرجه سالم براهيمي، وقد شد العرض الجمهور وعاد به إلى سنوات الجحيم والنار التي عاشها الجزائريون في زمن العشرية السوداء، وتحملوا وحدهم وزر تلك الأهوال في غياب السند العالمي، وها هو المجتمع الدولي اليوم يعيش نفس الأوضاع ويكتشف عن قرب وجه الإرهاب.

عبر ساعة و55 دقيقة، يتناول الفيلم قصة اجتماعية تدور أحداثها في «العشرية السوداء»، مأخوذة عن رواية للكاتب الجزائري أرزقي ملال الذي شارك في كتابة السيناريو، وأغلب المشاهد منذ بداية العرض تركز على ظواهر العنف السائدة حينها، من ذلك الخطاب المتطرف، وتفشي العنف الاجتماعي حتى في العلاقات الحميمية، ناهيك عن الضيق الاقتصادي الذي ساهم في تأجيج هذا الوضع كغلق الشركات والإفلاس، والندرة وغيرها.

لا يخل الفيلم من صور الحواجز الأمنية المزيفة التي كانت ترعب الجزائريين، ودوي الانفجاريات والاشتباكات المسلحة.

تجري الأحداث في مناطق البليدة، منها بلدة سيدي احمد وكذا بالعاصمة، وتتسارع نحو الجحيم ليجد بطل الفيلم نور الدين (أمازيغ كاتب) نفسه وجها لوجه أمام جماعة إرهابية أعدمت قرية بأكملها، ثم تطارده رفقة ابنته الصغيرة.

أمام هذه الأهوال، تبرز إرادة جزائريين رفضوا كل ما يجري، فيقرروا الصمود ورفع السلاح أمام الرعب والدم والدفاع عن أنفسهم وعن الآخرين من أبناء جلدتهم الذين أصابهم الذعر وتوقفت يومياتهم.

لم يتوان مخرج الفيلم في تصوير الإرهابيين بأقبح صورة، حيث ظهروا كبدائيين بلباس رث ولحى كثيفة وتصرفات فضة، ولا يقتصر حضورهم على ساحات القتال، بل أيضا في الحياة العامة، خاصة قبيل اندلاع الأزمة، فنجد بعضهم في النقابات يصرخون منددين بالسياسات الاقتصادية وبالمنهج الاشتراكي وصندوق النقد الدولي وتبني شعارات منها «دولة الطاغوت» وغيرها، كما أصبح هؤلاء ـ حسبما يظهره الفيلم ـ يفرضون نظاما عاما يسري على الجميع، فهم مثلا في الفيلم يطاردون «العشاق» الجالسين على الشواطئ ويجبرونهم على الانصراف.

يمتد هذا العنف السائد إلى العلاقات الأسرية، من ذلك أم نور الدين (فريدة صابونجي) التي تجبره على الزواج من ياسمينة (رشيدة براكني)، ورغم رفضه، إلا أنه يرضخ في الأخير بعدما فقد حبيبته التي تغادر إلى الضفة الأخرى كي لا تعيش في هذه الظروف، ويبقى هو وحيدا يتحمل سلطة الأم التي تراقبه حيثما كان ويتحمل العلاقة الفاترة مع زوجته. 

تموت الأم، لكن الأوضاع الأمنية تزداد سوء، حتى بالنسبة لياسمينة التي تتعرض لموقف صعب حين تحاول بعض النسوة طرق بابها لإقناعها ببعض السلوكات الدينية التي ترفضها، وتعبر عن خوفها بالرقص اللاإرادي تحت أنغام الراي.

يفترق الزوجان، لكن نور الدين يظل يحمل بعضا من الخوف على ياسمينة، خاصة بعد أن غادرت بيت أهلها.

يتواصل استهداف الإرهابيين للمدنيين العزل، وتتواصل عمليات التقتيل والتنكيل، وصور العمارات الجزائرية التي اكتسحتها القضبان، ويبقى نور الدين يحمل ابنته ويجري بها خوفا من الإرهابيين وهو يدق على الأبواب ولا أحد يفتح له، وحين يحتضن ابنته الصغيرة في محاولة منه لحمايتها، تختنق وتموت بين أحضانه.

على العموم، فإن الفيلم توثيق لمرحلة صعبة من تاريخ الجزائر، وكان أقرب للتقرير منه إلى عمل سينمائي روائي، حيث يفتقد إلى الحبكة والإبداع ويعتمد على النقل والسرد والتركيز أكثر على العنف الذي يصدم المشاهد، كما كان البطل الرئيس أمازيغ محدودا نوعا ما خاصة في انفعالاته التي لم ترق إلى ما حدث، كما كانت حواراته محدودة ومقتضبة حتى مع بعض أصدقائه من النقابة كعمي صالح، أو البستاني عمي سليمان.

لكن يبق الفيلم إدانة للإرهاب بالجزائر وعبر كل العالم، على اعتبار أنه دمار عابر للقارات ويتغلغل في صمت إلى عمق المجتمعات في غفلة منها، كما أن الفيلم تكريم لمن عايشوا تلك الفترة وعانوا ما عانوه. للإشارة، فإن الفيلم حائز على عدة جوائز دولية هامة.