ندوة "الحراك الشعبي والأخلاق"

تشريح التحولات الفاصلة للمجتمع الجزائري

تشريح التحولات الفاصلة للمجتمع الجزائري
  • القراءات: 1166
❊ مريم. ن ❊ مريم. ن

شهد الحراك الشعبي الذي تعيشه الجزائر منذ 22 فيفري الفارط، تحوّلا جذريا على مستوى الأفراد والجماعات، وأصبح هذا التاريخ فاصلا زمنيا وسدّا لمرحلة سبقته، لتنقلب الأحوال بين عشية وضحاها، وينتقل الشعب معها من النقيض إلى النقيض، ويتحرّر من رذائله ومن ذاته وآفاته، ويصبح مثلا راقيا، وصورة جميلة يستمتع بها العالم، فعبر كل الجمعات التزم الشعب بالسلمية والابتسامة وإهداء الورود وتقاسم الطعام واحترام المرأة والطفل والمسن، وسقطت أقنعة الجهوية لينبثق الوعي عميقا نحو غد أفضل، وليتم، لأوّل مرة، استعادة مفهوم الفضاء العام للتعبير السياسي الحر. وعن هذا الحراك القائم والمستمر تحدّث بعض المثقفين والفلاسفة في ندوة نظمتها الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية بالمركز الثقافي "العربي بن مهيدي" بالعاصمة، أوّل أمس، وفسّروا مساره ومدلولاته ومطالبه وخلفياته الاجتماعية والسياسية والتاريخية والنفسية.

أشارت الأستاذة نعيمة حاج عبد الرحمن من الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية منظمة هذا اللقاء بعنوان "الحراك والأخلاق"، إلى أنّ ما أدى إلى هذا الحراك هو انعدام الأخلاق، من ذلك عدم التداول على السلطة، وتفشي الفساد، وطغيان طبقة الأوليغارشيا، والحقرة وغيرها. كما أن المتمعن في الشعارات المرفوعة يجدها منطقية؛ لأنّها تعكس ما كان من تسيّب ولا عدل. وأشارت المتحدثة إلى أنّ الأخلاق حسب المعاجم الفلسفية هي لفظة تطلَق على جميع الأفعال المحمودة أو المذمومة. وإذا انحصرت فقط على ما هو محمود من الخصال تصبح "أدبا".

وشهدت المتدخلة من خلال مشاركتها في الحراك منذ 8 مارس الماضي، أنها كانت فيه أسعد الناس، وكادت تقتنع بأن الجزائر أصبحت المدينة الفاضلة، حيث تحقّقت غاية الأدب والتسامح، لتتساءل: "إذن أين كان هذا الشعب قبل 22 فيفري؟" رغم أنّ بعض الصور القاتمة المعبّرة عن الإقصاء، قد طغت فيما بعد، خاصة في كواليس الحراك.

الأستاذة بحوش فوزية تحدثت من جهتها، عن الحراك من خلال "الفكر الثوري"؛ حيث بدأ بالتمرد، لتتوالى الأحداث مشجعة ومخيّبة، وهنا طالبت المتحدثة بالتزام القضية السياسية بدل المطالب الاجتماعية الصرفة؛ كي لا تشوّه الحراك، وبالتالي لا ينحرف عن مساره، فمن الخطير معالجة القضايا الاجتماعية بالطرق السياسية وبشعارات واضحة، ما يردع مرتزقة الحراك الذين يسعون للاستيلاء على المطالب.

ومن جهتها، تحدثت الأستاذة تونسية حموش عن "الإفرازات الأخلاقية للحراك"، مؤكّدة أنّ الشعب الجزائري فقد الكثير من خصاله الأخلاقية في العشرية السوداء، ثم في 20 سنة الأخيرة، ليسترجعها بعد 22 فيفري، منها حبه للسلم (سلمية). كما برزت كلّ فئات المجتمع، منها المرأة التي دخلت بقوّة مسرح الأحداث، وفرض الحراك صفة التزام الوقت والتنظيف وعدم حمل السلاح واحترام المرضى في المستشفيات، ما جعل الملاحظين يتساءلون: "هل نحن في الجزائر أم حطّت السويد عندنا؟".

وبدوره، تناول الأستاذ جمال الدين بغورة ضرورة الانتقال من التعايش السلمي إلى التدافع الإبداعي، متسائلا "كيف وصلنا إلى هذا الانسداد؟ وأين كانت هذه القيم؟"، مؤكّدا أنّ العلاقة بين السلطة والشعب هي علاقة اعتراف بالدرجة الأولى، ذلك لأنّ الاعتراف يقع تماما خلف جلّ القيم؛ سواء السياسية أو الأخلاقية، وبالتالي فإنّ جلّ الثورات هي معبّرة عن عدم الاعتراف، فالشعب يعترف بالسلطة عن طريق الاقتراع، والسلطة تعترف بالشعب عن طريق صون حقوقه كشرط من شروط حضورها في المخيال الاجتماعي، وما عدا ذلك يُدخل المجتمع في اغتراب، وهو مرض يصيب المجتمعات المعاصرة بالمعنى الاجتماعي، هو الانفصال عن الذات أو الجماعة وانهيار العلاقات الاجتماعية بما في ذلك علاقة السلطة بالشعب، يقول في هذا أبو حيان التوحيدي: "أغرب الغرباء من كان غريبا في وطنه"، ليصبح الفرد يبحث عن نماذج قيمية غريبة عنه ولا يؤمن بالمواطنة ويدخل مرحلة زوال القيم والاستلاب. وبعد 22 فيفري أصبح لدى الشعب الوعي الكافي بأنه يمتلك وطنا أكثر مما يمتلك بيتا، وأيقن أنّ الوطن كمفهوم تصوري، لا يمكنه استرجاع الشعب، بل العكس، الشعب هو من يمكنه أن يسترجع الوطن. أما التدافع الإبداعي فهو تدافع الأفكار لتتلاقح، وفي كلّ مرة تصعد فكرة إبداعية جديدة تخدم الجميع، وبالتالي يتدافع اللائكي العلماني والسلفي الحداثي واليساري لخدمة الكل، نحو بناء وطن ومفهوم مواطنة يسع الجميع، وبالتالي يصبح التنوّع اختلافا يؤدي إلى التكامل، وليس خلافا يؤدي إلى الصراع.