دور الإعلام في الحفاظ على الذاكرة الوطنية

تسخير الكفاءة لخوض المعارك الإعلامية

تسخير الكفاءة لخوض المعارك الإعلامية
  • القراءات: 1037
مريم. ن مريم. ن
تناول اللقاء الأسبوعي الذي ينظمه متحف المجاهد والذي يحمل عنوان "موعد مع الذاكرة"، موضوع "دور الإعلام في الحفاظ على الذاكرة الوطنية"، نظرا لأهمية هذا المجال الحيوي في تعزيز تراثنا الثوري وهويتنا الثقافية من شتى المخاطر التي تتهددها. في كلمته الترحيبية، أكد الدكتور مصطفى بيطام مدير متحف المجاهد، على أهمية الموضوع باعتباره يدخل في صميم المحافظة على هويتنا وتاريخنا ومكتسباتنا التي تحققت بالدماء والدموع والعرق.
وأشار المتحدث إلى أن ذاكرة أمتنا تنتقل من جيل إلى جيل آخر حاملة معها المقومات والقيم والخصوصية وكل ماله علاقة مباشرة أو غير مباشرة بتراث وهوية الأمة الجزائرية، ومنه فإن الإعلام يضطلع بمسؤولية وطنية لها القوة المؤثرة والفعالية المطلوبة. يعتبر الإعلام ووسائطه ـ حسب المتدخل- وسيلة العصر التي تنبه بالمخططات التي تستهدف كيان أمتنا وذاكرتنا الجماعية وما فيها من تراث وهوية، بالتالي تهديدها بالدمار الشامل في حالة غياب المقاومة.
في المقابل، أكد الدكتور بيطام أن إعلامنا قد يجد نفسه أمام معركة كبيرة، علما أن بعض المنظومات الإعلامية أصابها التشويش، لذلك لا تفرق بين الجوهري والفوضوي والعاجل والآجل وغيرها، مما يحرمها من أن تكون مؤثرة في الحرب الإعلامية والنفسية الدائرة ولتكتفي في أغلب الأحوال بأن تطلق ردات فعل ليس إلاّ. ينبه المتحدث إلى أن أية إدارة ظهر لهذه التحديات الخطيرة ستمكن الغير من الانتصار على حسابنا، وهي جريمة لا تغفرها لنا الأجيال القادمة. في الأخير، أكد المتدخل على أن إعلامنا الوطني سيظل صمام أمان لذاكرتنا الوطنية والوحدة والهوية الوطنية.
أدار هذه الندوة الأستاذ بكّي بن عامر الذي أسهب في الحديث عن الدور الخطير الذي يلعبه الإعلام في الحروب الجارية وفي المخططات التي تستهدف النيل من الشعوب والأمم وضرب هويتها كبداية لتدميرها وإبادتها، متسائلا عن الإستراتيجية الممكنة لصياغة إعلام مؤسس قادر على حماية الهوية الوطنية، علما أن هذا الإعلام يحتاج إلى سياق خاص ضمن منظومة اجتماعية وثقافية واقتصادية وأمنية مبنية على مشروع دولة، قصد تمكين الجزائر بكل محمولاتها (التراث والهوية) من تحقيق مكتسبات أخرى لم تتحقق بعد. أما المؤرخ الدكتور العربي الزبيري فقال: "لا بد لنا من ألا نخشى من الحقيقة وأن نعزز مفاهيمنا وإمكانياتنا، خاصة أن الموضوع يخص الذاكرة الوطنية".
وأشار الزبيري إلى أن فاقد الشيء لا يعطيه، بمعنى أن الكثير من الإعلاميين غير مكونين وغير مهتمين بهذا الشأن وأرجع ذلك إلى التكوين الجامعي، حيث لاحظ أن الطلبة لا علاقة لهم بالتاريخ الوطني إلى درجة أنه استجوب بعضهم، فتأكد له مدى جهلهم وكيف أنهم لا يفرقون بين الأمير عبد القادر وابن باديس ويعتبرانهما مجرد رفيقين في السلاح، وهكذا يرى المتدخل أن من جهل التاريخ جهل نفسه، بالتالي فإن الشعب الضال والتائه لا يمكن الاعتماد عليه.
وقال الدكتور العربي الزبيري: "نحن لم نقدم المادة التي يتغذى عليها الصحفي، وليس لدينا إلى حد الآن مدارس وطنية في العلوم الإنسانية وفقط نعتمد على ما أنتجه الآخر ونعيد توظيفه" ،"وهنا يفسر المتحدث بأن الطالب عندما يقرأ "لنبي التاريخ" شارل أندري جوليان عندما يؤكد بأن "الجزائر كانت مستعمرة ومستغلة قبل الوجود الفرنسي" يستقر ذلك في اللاوعي ويردده الطالب الذي ربما سيكون صحفيا، وهكذا يتم توزيع أخطاء قاتلة للأجيال بالمجان، أي أن هذا الكتاب مثلا توزعه وزارة المجاهدين مجانا،  وهنا يرى المتدخل أنه كان علينا تدعيم مدرسة تاريخ وطنية تصنع وتضع بنفسها مفاتيح الكتابة والدراسة والبحث والمصطلحات انطلاقا من واقعنا، بالتالي الفهم، وإلاّ بقيت المفاتيح، وهي مزورة لا تفتح أي باب.
من ضمن المصطلحات المتداولة بشكل رسمي، نجد مثلا الاستقلال الوطني، بينما الأصح أن نقول؛ "استرجاع الاستقلال الوطني" وهو مصطلح وضعته الحركة الوطنية بكل تياراتها السياسية والإصلاحية وكذا بيان أول نوفمبر (إعادة بناء الدولة الجزائرية) عكس اليوم (العيد الـ50 للاستقلال، بدل استرجاع الاستقلال)، بالتالي كيف يستطيع الجيل الجديد في الصحافة حماية هذه الذاكرة؟ يتساءل المتدخل، فمصطلح الاستقلال مجردا كأنه تبرير للعدوان الفرنسي على الجزائر والواجب اليوم على الإعلام الوطني أن يطلع على التاريخ ويلّم بمصطلحاته الصحيحة التي تمكنه من الدفاع عن الذاكرة.
الدكتور محمد لعقاب الأستاذ بجامعة الجزائر، رأى أن الإعلام اليوم يتدخل في كل الشؤون وأصبح له إسهامه وكلمته ومن ضمن مجموعة وظائفه نجد التثقيف والوعي، بالتالي فإن من مهام الإعلام في مجتمعنا أن يتكفل بالشرح والتفسير والتحليل وإعطاء أبعاد الخبر التي لا يفهمها العامة وهكذا فإن للإعلام دور الرقيب الاجتماعي تجاه السلطة وتجاه الشعب ينبه كلاهما في الوقت المناسب.
وأكد المتدخل أن الجزائر تقع في منطقة المتوسط التي عليها ضغط إعلامي كبير جدا سواء كان فرنسيا أو أمريكيا أو حتى آسيويا فهي تستقبل ألفي قناة، الكثير منها ناطقة بالعربية، رغم أن ملاكها ليسوا عربا، مثلما هو الحال بالنسبة "لفرانس 24" و"بي بي سي " و" سي آن آن" و"روسيا اليوم" وغيرها، كلها قنوات تهدف إلى زرع مكونات حضارية وثقافية، تكون بديلة وتستطيع أن تهجن الناس، كما أن هذه الثورة الإعلامية تحاول النيل من العربية والإسلام المعتدل والتسويق مثلا لخدعة الدين الإبراهيمي، بالتالي استباحة المقدسات والزج بمجتمعاتنا في نمط استهلاكي مفرط، والمحصلة هو تحويل تراثنا إلى مجرد فلكلور لا قيمة له.
وألح المتدخل على أن تكون وسائل الإعلام عندنا بمثابة حصن متقدم وخط الدفاع الأول من خلال خوض المعارك الإعلامية، لذلك لابد من استراتيجية إعلامية واضحة وضمان تكوين كفؤ. وتأسف المتدخل بالمناسبة على وسائل الإعلام التي لا مضمون ولا هدف لها والتي لا شغل لها سوى سرد السلبيات ليل نهار.
الدكتور محمد بغداد تناول "الذاكرة الوطنية والإستراتيجية الإعلامية الدولية" منوها بالمناسبة بدور إعلامنا الوطني عبر التاريخ، متوقفا عند حادثة وقعت سنة 1913، حين حكمت محكمة فرنسية على صحفي جزائري وأوقفت جريدته وغرمته، ثم نفته إلى الأغواط 5 سنوات، وقد ذهب ماشيا ليعود إلى العاصمة ومعه كتابين من تأليفه، بعدما نشرت مقالاته بالقاهرة وتونس واسطنبول وأصبح رائدا في الإعلام العربي، إنه رشيد رضا. وعبر مائة سنة، أي من 1847 إلى 1953، عجت الجزائر بالنخب الإعلامية من مختلف التيارات السياسية والفكرية، وهذا ينفي مقولة أننا كنا أمة معدومة كانت تقيم في الشارع.
من جهة أخرى، طرح المحاضر فكرة وضع قاموس إعلامي وطني واضح يحدد المصطلحات والمفاهيم، علما أن الإعلام الجزائري تعرض للتهديم والنيل من ماضيه المشرف وأصبح يوصف بأنه وليد تجربة عام 1988. وتحدث المتدخل أيضا عن التجارب الإعلامية الجزائرية الناجحة في الخارج وكيف أنها استطاعت فرض نفسها بعدما توفر لها المناخ المناسب، كما دعا إلى ضرورة الاستثمار في هذا المجال وتبني الطاقات الإعلامية.