الشيخ الحاج محند الطيب لـ«المساء»:

ترجمتي للقرآن إلى الأمازيغية، غاية مثلى

ترجمتي للقرآن إلى الأمازيغية، غاية مثلى
  • القراءات: 1532
لطيفة داريب لطيفة داريب

عاد الشيخ الحاج محند الطيب إلى ذكرياته، حينما قرر ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الأمازيغية، وتطرق مع «المساء» إلى الظروف الصعبة التي واجهها لتحقيق هذا الهدف النبيل. كما أكد عزمه الشديد على تحقيق هذه الغاية التي لا يوجد ـ حسبه ـ أغلى منها.

أثناء تغطية «المساء» لفعاليات الملتقى الدولي «التعليم عن بعد بين النظرية والتطبيق، التجربة الجزائرية أنموذجا»، الذي نظّمه مخبر الممارسات اللغوية بجامعة تيزي وزو، نهاية السنة الماضية، التقت بالشيخ الحاج محند الطيب، أول من ترجم القرآن إلى اللغة الأمازيغية الذي تفضّل شاكرا بالعودة إلى تجربة فريدة من نوعها عاشها منذ سنين، بل لنقل أنها تجربة العمر.

وفي هذا السياق، قال الشيخ لـ«المساء»، إنه لم يشأ في بادئ الأمر أن يترجم القرآن إلى اللغة الأمازيغية لوحده لقداسة الأمر وتعقّده، كما أنّه لم يقرأ اللغة الأمازيغية ولا توجد مراجع حول الموضوع، لكن الأمر تغّير حينما طلب منه الوزير السابق للشؤون الدينية والأوقاف والرئيس الحالي للمجلس الأعلى للغة العربية، بوعلام الله غلام الله، رفقة مختصين آخرين،  ترجمة القرآن إلى اللغة الأمازيغية، فاستأنس الفكرة، لكن كم كان هوله كبيرا حينما انسحب جميع من أوكلت له هذه المهمة وبقي شيخنا وحيدا،  لكن رغبته الكبيرة، بل العظيمة في تحقيق غايته، مكنته من الثبات وهكذا بدأت المغامرة الذهبية لشيخنا الوقور.

وهكذا بدأ الشيخ مهمته، وفي تلك الأثناء سمعت المملكة العربية السعودية بأمر هذه الترجمة، فطلبت من الشيخ أن تطبع الترجمة على حسابها وتوزيعها مجانا، فلما أكمل الحاج محند الطيب مهمته أرسل الترجمة إلى هذا البلد، وهناك تم تسليمها إلى أستاذين من أصل قبائلي لإجراء عملية التصحيح، ومنه أعيد إرسالها إلى المكلف بالأمر الذي وجد أن هذا التصحيح لم يبن على قواعد علمية، كما أنه مجرد رأي شخصي، لأن الأستاذين لم يدرسا اللغة الأمازيغية، فقالا ما اعتقداه، ونفس الأمر بالنسبة له، ما عدا أن شيخنا ترعرع في بيئة قبائلية وحفظ القرآن قبل أن يعرف كلمة واحدة من العربية الدارجة.

وفي هذا السياق، أرسل الشيخ أسباب رفضه لبعض التصحيحات في تقرير من 12 صفحة، وكانت له الكلمة الأخيرة، فتم طبع ستة أحزاب بالمملكة السعودية، لكنها ضمت أخطاء وهو ما رفضه الشيخ رفضا قاطعا مؤكدا للوزير آنذاك عدم قبوله أي خطأ في القرآن، وأنه مستعد للسفر إلى المملكة ولو على حسابه الشخصي، وهكذا وجد الشيخ نفسه في المملكة ومكث هناك ثلاثة أشهر إلا ثلاثة أيام من أجل التصحيح،  وكان يجيب عن أسئلة ست دكاترة حول كل شيء متعلق بالقرآن، وكذا عن العبادات والأحكام والمعتقدات، خصوصا فيما يتعلق بالآيات القرآنية غير الواضحة. وجرت العملية وتم طبع العمل ليأتي دور التسجيل.

وخُصص أستوديو لتسجيل الشيخ للقرآن، فقام بتسجيل القرآن بصوته الخاص وأتبعه بالترجمة، وفي هذا يقول؛ «وجدت صعوبات كثيرة في تسجيل القرآن ليس في فهم كنه الآية، بل فيما يقابلها في الأمازيغية التي تعتبر لغة ضيقة، فكيف لها أن تقابل القرآن العظيم المعجز»؟ ويضيف «لم أدرس الأمازيغية ولا يوجد أدنى مرجع أستعين به في هذه المهمة». 

وهكذا كان شيخنا يقرأ الآيات بتمعن ويحدد الكلمات الصعبة التي لا يمكن فهمها إلا بالتفاسير، ثم يعود إلى قراءتها مجددا، مع العلم أنه استعان بما لا يقل على أربعة تفاسير وترجمات للقرآن أيضا، ثم يأخذ الآية ويستعرض العبارات المناسبة ويسجلها، وبعدها يختار ما يراه الأنسب، ثم يراجع النص. كما أنه راجع  بعض النصوص أكثر من 15 مرة، ولم يستعمل رأيه الخاص، بل اعتمد على المفسرين، حتى أنه استعان ببعض الأغاني والكلمات اليومية المتداولة حينما لم يجد المصطلحات اللازمة، وفي هذا يقول «أتعجب كيف وجدت بعض الكلمات وكنت أقول بأن هذا الكلام ليس لي، حقا معاونة الله كانت عظيمة».

واستغرق شيخنا تسع ساعات ونصف الساعة لتسجيل حزب واحد، ثم كان يقرأ الترجمة، وهو ما استغرق وقتا طويلا، وحينما سجل ربع القرآن، تساءل «إذا كان هذا حالي، فكيف يكون حال من لا يقرأ القرآن»؟ فألغى هذه العملية وأعاد العمل من جديد، فكان يقرأ آية متبوعة بترجمة، وحينما أكمل العملية وجد أنه أخطأ مرتين؛ الأولى في استعماله لفتحة والثانية عندما غيّر صيغة المفرد إلى الجمع، لأنه استعان بذاكرته فألغى كل شيء مرة ثانية وعاد للتسجيل من جديد، لكن بالاعتماد على المصحف بدلا من ذاكرته، ليحقق بذلك هدفه المنشود.

عاد شيخنا ليتناول قضية شائكة تتمثل في اختيار الحرف الذي تكتب به ترجمة القرآن إلى اللغة الأمازيغية، فقال إنه من الطبيعي استعمال الحرف الأمازيغي، لكنه لا يتقنه مثله مثل العامة. أما الحرف اللاتيني، فيحتاج إلى 17 حرفا جديدا ليغطي اللغة الأمازيغية، ثلاثة منها خاصة بهذه الأخيرة و14منها متعلقة بالحرف العربي، فكان اختيار اللغة العربية الأجدى، وقام الشيخ بتعديل الحروف العربية لتتماشى مع الحروف الأمازيغية من خلال إضافة ثلاث نقاط على بعضها، مثل على حرف الزاي لكي ننطقه مشددا، حيث أن هناك فرق بين «أزكا» والتي نقصد بها الغد و«أزّكا» بتشديد الزاي، وهو القبر، وفي هذا يقول: يمكن كتابة اللغة الأمازيغية بالحرف العربي في الهواتف الذكية».

وقد انتهى شيخنا من الترجمة الأولية للقرآن إلى اللغة الأمازيغية سنة 2005، ثم استغرقت عملية المراجعة عامين كاملين، ليقدم كنزه للعالم ويساهم بنوره وعلمه في نشر الكتاب العظيم المتمثل في القرآن الكريم.