معرض بلقاسم كفيل برواق عسلة حسين

ترانيم من الطبيعة وجولات عبر الأرياف

ترانيم من الطبيعة وجولات عبر الأرياف
  • القراءات: 1320
مريم. ن مريم. ن

يعود الفنان التشكيلي بلقاسم كفيل ومعه لوحاته المعبقة بنسائم الطبيعة وألوان الحياة، ليرسخ عند جمهوره الحب الأبدي، وهو الطبيعة الساحرة مصدر كل جمال، حيث يطلق عنان ريشته لتصور المناظر والآفاق والدروب والسماء والأرض وجريان الماء؛ ما يُدخل السرور والسكينة التي عمت هذا المعرض المقام إلى غاية 8 أوت القادم برواق عسلة حسين بقلب العاصمة.

يضم المعرض مجموعة من أعمال كفيل الإبداعية التي تعكس الطبيعة ممتدة الأرجاء، حيث يسود الاخضرار مع وقفة فلسفية تطغى عليها خوالج النفس والذكريات المتناثرة هنا وهناك. ورغم أن هذا الفنان عصامي إلا أنه يمتلك تقنيات عالية ولمسة ثقيلة مستمدة من التجارب والأسفار.

ويُعد هذا المعرض الثاني بالنسبة لهذا الفنان في بلده الجزائر، علما أنه سبق له أن أقام معارضه في العاصمة لندن. وقد عاش بلقاسم ذو 40 سنة، في فرنسا، ثم إنجلترا، ليقرر في الأخير العودة إلى أرض وطنه ويقيم به.

ويمتلك الفنان ريشة مرهفة تترصد جمال الطبيعة حيث كان، وتخط اللوحات بكل نعومة ورقي حتى بالنسبة للوحات ذات الألوان الداكنة أو تلك التي ترصد هيجان الطبيعة؛ من عواصف أو أمطار أو اضطراب البحر.واعتمد الفنان في جانب من معرضه خاصة بالنسبة لمشاهد الطبيعة، على الأسلوب الواقعي والتصويري، بينما في الطرف الآخر من المعرض اختار الأسلوب التجريدي. وكان القاسم المشترك بين الأسلوبين هو الألوان الزيتية التي عبّرت عن مدى تحكم الفنان في مزجها وتناسقها وانسيابها، لتكوّن العنصر الأهم في اللوحة المشكّلة.

وتتداخل الألوان منها الأزرق والأصفر لتشكل سربا من طيور الأساطير من مختلف الأصناف، تلتحم في تناغم؛ وكأنها تعيد حكي بعض الروائع الإنسانية التي حُفرت في المخيلة بكل ما فيها من قيم الجمال والحب والخير.

وفي لوحة أخرى، يتداخل البشر والأوراق والمخلوقات لتبرز معجزة الكون والحياة ومعها معاني السلام والطمأنينة، حيث لا صراع ولا اعتداء على الآخر مع تثمين حياة كل المخلوقات؛ إذ تستحق كلها الأمان والسلام.

وطغى الريف على كل المشاهد؛ فقد رسم الفنان نماذج من الريف الأوروبي خاصة منه الإنجليزي، وذلك بكل تقاليده وخصوصياته، كما كان هناك جانب من الطبيعة في الريف الجزائري، خاصة في موسمي الربيع والصيف. هذه الجماليات التي تكاد تغيب من المدن ومن حياة الصخب في عالمنا البارد المثقل بالماديات والخواء الروحي، أشار إليها الفنان من خلال هذه العودة إلى الطبيعة حيث النقاء والحرية وتجدد الفصول.

الريف يعني النقاء والبساطة ومكانا تتنفس فيه الروح عوض أن تبقى سجينة بين أربعة جدران وغياب الضوء والشمس، وغالبا ما يكون الريف ملجأ يأوي إليه المهموم والمتاعب.

هذه اللوحات ليست تمثيلا للطبيعة ولكنها تفسير وتثمين لها، وتعبير عن مدى صحبة هذا القوية للطبيعة، فكانت محفزا على الإبداع. واستطاع الفنان أن يتغلغل في أعماق الطبيعة، ويقف على كامن أسرارها، ويبرزها للعين والحس في صورة فاتنة أخاذة. وقام هذا الفنان برصد الطبيعة حيثما كانت سواء في الجزائر أو خارجها، فرسم الجبال والسهوب والبحار والأنهار والقرى الممتدة والمطر والشمس وغيرها، ووقف عند بعض المعالم، منها مدينة البندقية وبيوت ممتدة على نهر الدانوب وموانئ الجزائر القديمة وغيرها.

وتميزت لوحات هذا الفنان التشكيلية بالانبهار والدهشة واللذة والمفاجأة التي يشعر المتلقي وكأنه يدخل متاهات من الأشكال، علما أن بعض اللوحات كانت بالأبيض والأسود، وتتحول بعض الأشكال إلى مخلوقات غريبة طائرة وزاحفة، وبعضها إلى متاهات وتموجات؛ وكأنها في عمق النفس البشرية تصول وتجول فيها حتى تصل إلى الصميم الذي يصنع الإنسان ويحدد أفكاره وأحاسيسه.

لوحات أخرى تحمل رموزا وتعابير تبدو كالأساطير، منها آلات موسيقية جزائرية، منها الكويترة وكذا عيون سوداء برموش مسترسلة، تبحث عن آفاق أخرى جديدة.

وتختلف تقنيات المعرض مما يدل على أن الفنان دائم البحث في شتى المدارس والأساليب، مع الالتزام بلمسته الخاصة التي تمزج بين الحس والذوق الجزائري والغربي مما يعطي تناغما أكثر.