خطاب ما بعد الكولونيالية في افريقيا بفضاء "فانون"

تراجع المشروع الاستعماري أمام النخب الصاعدة

تراجع المشروع الاستعماري أمام النخب الصاعدة
  • 355
مريم. ن مريم. ن

طرحت ندوة "خطاب ما بعد الكولونيالية في إفريقيا وحاجة الإنسانية إلى القيم الإفريقية"، أوّل أمس الجمعة بفضاء افريقيا "فرانز فانون" بصالون الجزائر الدولي للكتاب، مسألة الوعي الفكري الذي يتبلور يوما بعد الآخر عبر القارة السمراء لاستعادة الجذور الثقافية والقيمية الأصيلة التي ظلّت محلّ طمس خلال الهيمنة الاستعمارية. قدّم المشاركون في الندوة تشخيصا للوضع الفكري والسياسي المترتّب عن استعادة السيادة الافريقية، وكيفية التعامل مع ما خلّفه المستعمر .

الأخلاق التي تقوم عليها المجتمعات الافريقية

بداية استعرض الأستاذ مرتضى أحمد من النيجر، مختلف القيم والأخلاق التي تقوم عليها المجتمعات وتحدّد سلوكها، ومن تلك القيم وقف المتدخّل عند قيمة الدين التي هي من الثوابت كما أنّها عامل موحّد وميزان للحياة، وهناك أيضا القيم الإنسانية التي تخصّ التكافل الاجتماعي مثلا الذي يتجلى في المناسبات الاجتماعية، وفي العمل الجمعي لتخفيف الأعباء، إضافة لقيم أخرى منها القيمة البيئية، وقيمة رعاية وتنشئة الأبناء من ذلك أبناء الجيران والحيّ، وقيمة الحفاظ على المهن والحرف التقليدية، والعادات واللغة وغيرها، ما يضمن تماسك المجتمع ويعزّز تواصله ببعضه ما يحول دون قيام الصراعات.

كما أضاف المتدخّل أنّ القيم تمثّل "الركيزة الكبرى لبناء المجتمعات المتماسكة"، مستشهدا بتعريف الدكتور عمّار محمد الذي وصفها بأنّها "المعايير الثابتة والخالدة التي تمثّل موازين صلاح الأقوال والأفعال والأشياء. كما أورد تعريف الأستاذ محمد تكر من نيجيريا الذي يرى أنّها "المعايير الأخلاقية التي من خلالها يرتّب الأفراد والجماعات اختياراتهم ويحكمون على سلوكهم في الجوانب الأساسية للحياة."

المجتمع الافريقي يريد استعادة ذاتيته

أما الأستاذ محمد سالم ولد الصوفي من موريتانيا، فأكّد أنّ المجتمع الافريقي يريد استعادة ذاتيته بعد عقود من الاستيلاب الحضاري، معتمدا في ذلك على التراث المادي وغير المادي، مع الاستعانة بالحكماء من مسنين يحفظون هذا التراث. تحدّث المتدخّل أيضا عن القيم الإسلامية الراسخة في المجتمعات الافريقية منذ عهد الفاتحين، ليصل إلى النخب الجديدة من الشباب التي ترى أنّ مرحلة الاستيلاب ولّت وهو ما ظهر في قمة باريس حين جاء الشباب الافريقي مرتديا لباس الأجداد وحاملين المقاربات الافريقية الخالصة ليؤكّدوا أنّ المشروع الاستعماري تراجع في إفريقيا أمام النخب الصاعدة.

بدوره، قال عيسى بن عبد الله من تشاد إنّ الكثير من الكتّاب والعلماء والناشرين، ناقشوا مسألة القيم والإنسانية، أساس كلّ نهضة فكرية، ليسهب بعدها في الحديث عن ذلك التلاحم بين الثقافتين العربية والإفريقية وذلك منذ عام 616 م، علما أنّ الأفارقة مالوا عن طيب خاطر لقيم الإسلام وأعجبوا بأخلاق الفاتحين الوافدين عبر القوافل ولم يخضعوا للتعنيف والهيمنة كما جرى مع الاحتلال الأوروبي، وأضاف أنّ العربية كانت دوما لغة جامعة في بلاده والقاسم المشترك بين السكان، وأنّ "القيم، رغم تعدّد تعريفاتها، تظلّ جوهر الحياة الإنسانية، لأنّها تضبط السلوك، وتبني الشخصية الناضجة، وتمنح الإنسان السلام الداخلي والتوازن الاجتماعي. وأشار بن عبد اللّه إلى أنّ القيم، في المفهوم الإفريقي، لا تنفصل عن الدين والروح، فهي تبدأ بالإيمان بالله وتنتهي بسلوك الإنسان في تفاصيل يومه. عن خطاب ما بعد الكولونيالية استحضر الضيف روّادها في افريقيا منهم فرانز فانون ومانديلا وبن نبي ثم محمد البقلاني.

إعادة صياغة بعيدا عن النموذج الاستعماري

تحدّث عبد المهيمن محمد الأمين من النيجر، عن القيم الافريقية كصمام أمان في المجتمع، علما أنّ المستعمر عمل على طمس كلّ شيء واتّهام القارة السمراء بالتخلّف وأنّ الغرب هو من انتشلها من التخلّف والدجل ما حفّز المفكّرين في القارة على إيجاد خطاب يفنّد هذا الطرح. 

أكّد المتحدّث أنّ ظهور ما بعد الكولونيالية كان بعد الاستقلال، حين حاول الكتّاب والمفكّرون إعادة صياغة الهوية الثقافية للقارة بعيدا عن النموذج الاستعماري، وكان الكاتب الكيني نغوغي واثيونغو من أوائل من أسّسوا لهذا الخطاب من خلال رواياته "لا تبك أيّها الطفل" (1964) و"النهر الفاصل(1965) وأشار إلى أنّ الخطاب الإفريقي بعد الاستقلال مرّ بمرحلتين، المرحلة الوطنية السياسية، التي قادها العسكريون والديمقراطيون والتيارات التحرّرية، والمرحلة الفكرية والثقافية، التي شملت التيارات الدينية، والسلفية، والوطنية، والإسلامية، والنسوية، وكلّها تسعى لتأصيل الذات الإفريقية في مواجهة الهيمنة الفكرية الغربية.

شارك في الجلسة الثانية من الندوة محمد الودود ولد الشيخ من موريتانيا الذي قال إنّ المستعمر، منه الفرنسي الذي وصفه بالخبيث جاء افريقيا بالتدخّل العسكري المباشر ليقتل ويسرق ويبيد، وحمل خلفه جيشا آخر من الباحثين والمفكّرين من أجل تدمير الذات والهوية الافريقية وفرض تاريخ دخيل ومزوّر، وبعدما طمس كلّ شيء، لم يترك حين خروجه أيّ مكتوب، ليجد الأفارقة أنفسهم يستعينون من جديد باستعمار الأمس لاستعادة بعض ما طمسه .

توقّف الأستاذ محمد أيوب عند خطاب ما بعد الكولونيالية بعيون إفريقية، مستعرضا اجتماع عام 1960 بأديس بابا في زخم الثورة الجزائرية ليطالب باستقلالها، كما توقّف عند جهود مختار ايمبو رئيس اليونسكو التي أثمرت موسوعة تاريخ افريقيا. أما الأستاذ موسى عبد الله القادم من جامعة سعيدة فتساءل عن كيفية ترسيخ الخطاب ما بعد الكولونيالي، ونحن لم نفكّك بعد الخطاب الاستعماري الذي لا يزال بأيديولوجياته مهيمنا، متسائلا أيضا عن آليات الترسيخ، وتفعيل الأصوات المهمّشة، وأيضا كيفية الخروج من فخّ الضحية بدل صنع خطابنا الافريقي .