ذاكرة الأرشيف ملاذ الباحثين عن فن الزمن الجميل

تراث لا يقدَّر بثمن يصنع البديل

تراث لا يقدَّر بثمن يصنع البديل
  • القراءات: 480
مريم.ن مريم.ن

تعود الذاكرة لتفرض نفسها على المشهد الفني الجزائري الذي بات يحنّ جمهوره لسنوات العز والتألق والنجوم، بعد سنوات من الغياب الذي رمى بغباره على أرشيف ثقيل بقي حبيس الأدراج؛ فهل هو رجوع إلى فضيلة هذا الماضي الجميل، أم تعويض لقحط أصاب الفن ولم يعد في جعبته ما يسد به طلبات الجمهور وتطلعاته؟

تقود مبادرة العودة إلى تراث الفن الجزائري مؤسسة التلفزيون الجزائري؛ حيث طرحت على الجمهور الجزائري أرشيفها الزاخر الذي لا يقدَّر بثمن. والكثير من فترات البث تضمنت منوعات فنية وأفلاما سينمائية وتلفزيونية وأرشيف الفترة الاستعمارية وكذا برامج التلفزيون ما بعد الاستقلال من الستينيات وحتى الثمانينيات، وكلها راسخة في ذاكرة الجمهور رغم أن الشباب لم يشاهدوها من قبل، واكتشفوا الكثير عند متابعتها؛ فهي جزء من تاريخ البلاد والمجتمع.

وانطلقت مبادرة إحياء الأرشيف منذ سنوات بوجه محتشم، لكنها سرعان ما لاقت القبول والمتابعة؛ ما استوجب تخصيص العديد من الحصص والبرامج للأرشيف، بل إن فنانين تم استقبالهم في البلاتوهات، وجهوا دعوات مباشرة للتلفزيون الجزائري (وهم في بيتهم) لإعادة بث روائع وبرامج زمان؛ كي لا تحدث قطيعة في الذاكرة ولا بين الأجيال؛ فمن لا يعرف ماضيه ولا يرى صورته يبقى مبتورا وضائعا، وهو أمر ألح عليه، مثلا، الفنان حميدو حين قال في سهرة نشطها في التلفزيون الجزائري: "أعيدوا لنا الأرشيف؛ نحن بحاجة إليه"، موضحا أن زمن الرداءة الذي سادت فيه بعض الأعمال الفنية الهابطة التي تشكل خطرا على الذوق العام وعلى الثقافة الجزائرية، يستوجب مواجهته بالأصيل والراقي المخزّن في تراثنا الفني والثقافي المرئي والمسموع.

ولاحظ بعض المتابعين أن "مرجعيات" و«قامات" الفن الجزائري قد تختفي إذا لم يتم إحياء أعمالها ومسارها الذي يحتاجه جيل اليوم، خاصة من المبدعين؛ فالفن سلسلة تواصل، تكتمل حلقاتها عبر الزمن، وكل جيل يكمل الآخر ويستفيد منه. وما يحصل هو هذه القطيعة؛ وكأن كل مبدع يبدأ من جديد من نقطة الصفر ولا يدري عن تجارب من سبقوه، وكذلك الجمهور خاصة منه الشباب، الذين لا يرون من عمر الجزائر إلا المرحلة التي يعيشون فيها. للإشارة، ازداد الحجم الساعي للبث الخاص بالأرشيف خلال رمضان الأخير عبر قنوات التلفزيون خاصة الأرضية و«كنال ألجيري". وتم إحياء الكثير من الأعمال والأسماء، منها، مثلا، اسم الراحل مصطفى العنقى الذي عرفه الجمهور كممثل قدير لكنه لم يعرفه كمطرب في نوع الشعبي، حيث بثت له حفلات نشطها في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات.

كما أعيد برمجة العديد من الأعمال السينمائية الرائدة التي غابت عن الشاشة لعقود، منها مثلا رائعة "ريح الجنوب" للراحلين سليم رياض وعبد الحميد بن هدوقة، وفيلم "نهلة" و«سيجارة لعلي"، وغيرها كثير. ويُنتظر أن يبث التلفزيون أيضا رائعة "زاد" المتوج بالأوسكار.

وهناك أيضا عرفان برواد الفن الجزائري الذين صنعوا مجده وأصبحوا مدارس قائمة بذاتها، تستحق أن تُذكر لما قدمته من مستوى عال وذوق رفيع، وطرح بنّاء لقضايا المجتمع.

ويحوي الأرشيف أمجاد الجزائر وانتصاراتها وانتكاساتها وكل ما عاشته من أيام حلوة وأخرى مرة، تستحق أن تعود لتروي على المباشر الأحداث والتفاصيل بكل ما كان فيها.

كما عاد التلفزيون إلى بث الروائع السينمائية العربية، وهو الذي كان سباقا إلى عرضها. وقد أعاد روائع يوسف شاهين وصلاح أبو سيف وغيرها من الأفلام. وتعددت الحصص الخاصة بالأرشيف، منها "سلسلات الأرشيف" و«سيني تيماتيك" و«سفر" و«تلفزتي لي"، وقبلها "شموع التلفزيون" وغيرها، وتلقى كلها الإقبال؛ لذلك بقيت مستمرة في بثها، وتشهد إضافات من حين لآخر، منها استضافة فنانين ومخرجين وإعلاميين غابوا منذ زمن، عن الأضواء. كما يبدو أن هذا الحنين امتد أيضا للإذاعة؛ فبعد أن اكتسحت موجات الفن العصري الأثير، تعود الأصالة واحترافية زمان التي لها هي أيضا جمهورها، إلى الواجهة. وعادت سهرات الطرب العربي، والأسماء الإذاعية الرائدة، ومقتطفات من الأرشيف الثري؛ منها التمثيليات، وهكذا يتم تفعيل وتثمين هذا التراث كي لا يلتهمه غبار النسيان، وحتى يلتفت إليه كل من يحاول أن يدخل مغامرة الإبداع والإنتاج.