مسرحيتان تدخلان منافسة المحترف في اليوم الثاني

"تراب الجنون" و"استراحة المهرجين" تخوضان في همجية فرنسا الاستعمارية

"تراب الجنون" و"استراحة المهرجين" تخوضان في همجية فرنسا الاستعمارية
  • القراءات: 423
 دليلة مالك دليلة مالك

عُرضت مسرحيتا "تراب الجنون" لحسين مختار و"استراحة المهرجين" لوحيد عاشور، في منافسة المهرجان الوطني للمسرح المحترف 16 في يومه الثاني،  أول أمس الأحد، بالمسرح الوطني محيي الدين بشطارزي في الجزائر العاصمة، أمام جمهور غفير. والمسرحيتان منتجتان ضمن الأعمال المسرحية المخلدة لستينية استرجاع السيادة الوطنية (1961- 2022)

تتناول مسرحية "تراب الجنون" للمخرج حسين مختار ونص هشام بوسهلة والتي أنتجها المسرح الجهوي لبشار، فكرة انعتاق المستعمرات من نير الاحتلال الغربي، من خلال خيارين؛ إما بالعمل النقابي أو السياسي، أو بالمواجهة المسلحة. وتدور هذه الأحداث على مستويات ثلاثة، كانت السينوغرافيا فيها داعمة للمبنى الدرامي، فنرى الممثلين يؤدون على الخشبة، وفي خلفيتها أو عمقها، وعلى مستوى عمودي المتمثلة في التركيب الذي صنعه عمال المنجم من حديد بشكل طولي. وهي المساحة التي تم استغلالها في تجسيد القصة.

ويخوض العمل ضمن سياق درامي متوازن بحبكة محكمة، مبنية على قصة حقيقية، في فكرة أن الانعتاق من المحتل أو التبعية الموجودة حتى يومنا هذا، يجب أن يكون انطلاقا من تضافر الشعوب ونبذ النزاعات بينها.

وترسم المسرحية الاختيار الخطأ لعمال المنجم، الذي لا يجب أن يكون ضد بعضهم، بل ضد الغرب المسيطر على ثروات بلادهم، وتبين ذلك في مشهد انفجار المنجم، ثم تعليق العمل داخله، ليدور صراع بينهم يشبه ما يحدث اليوم بين أفراد الشعب الواحد، وقد نسوا أن مشكلهم الحقيقي ليس فيهم بقدر ما هو مع العدو المحتل، ولم ينتبهوا إلى أن الوحدة والتعاضد هي سبيل حريتهم وازدهارهم.

وإذ يصور العمل معاناة عمال المناجم في منطقة القنادسة ببشار في خمسينات القرن الماضي في سينوغرافيا ممتازة أعدها نور الدين بعطوش، لتعزز فكرة المعاناة، لا سيما من خلال اللون القاتم الذي غلب على مجريات العرض.

وقد نجح السينوغراف في جعل ديكوره عاكسا لشكل المنجم، حتى إن رائحة الكبريت وصلت إلى وسط القاعة، وكل ذلك كان مبررا دراميا، وتم توظيفه لينسجم مع المبنى الدرامي للمسرحية.

ومن جهته، قدّم مسرح قسنطينة الجهوي مسرحية "استراحة المهرجين" للمخرج وحيد عاشور عن نص للكاتب نور الدين عبة، وترجمة جروة وهبي، متناولا موضوع تعذيب الإنسان في قالب بسيكو - درامي، يكشف عن دواخل الجلاد النفسية.

وجسد المخرج مقاربة صعبة، تمثلت في نقل شخصية المهرجين برمزيتها التي تعني الفرح والسرور، إلى رمزية نقيضة تعكس العنف والبطش، لكن هل تمكن المخرج من الربط بين الفكرتين؟.

ورغم أن الفكرة جديدة ومبهرة ووُفق المخرج في إظهار النفسية المريضة للمحتل، لكن الصعوبة ظهرت في توصيلها، كيف يتحول المهرج صانع الفرحة، إلى جلاد يتفنن في تعذيب الإنسان، حتى وإن كان المقصود هو كشف الوجه الحقيقي للمستعمر، باعتباره آلة إجرامية بامتياز؟

وتدور أحداث القصة في مسرح، لذلك لم يحتج العمل إلى سينوغرافيا كبيرة قائمة بذاتها. واعتمد الديكور على مجموعة من المهرجين يدلون بحقدهم على الجزائريين، ورغبتهم في قمع ثورتهم ضد المحتل الفرنسي، والقضاء على الثوار بأبشع الطرق، عن طريق التفنن في التعذيب، والتلذذ به. وعكس العمل مرضهم النفسي.

ويقوم هؤلاء المهرجون بالقبض على "رشيد" صانع قنابل يدوية ضمن عمله الثوري.  ويحاولون استنطاقه عن مكان قنبلة خطّط لها، لكنه يلجأ للصمت. وخلال سيرورة القصة تتعاطف المهرجة "فرانسين" مع "رشيد"، وترفض كل ما يقوم به فريقها، وهو ما يترجم فكرة أن بعض الفرنسيين وقت الثورة، كانوا ضد الممارسات الإجرامية على الجزائريين.

المسرحية دامت أكثر من 90 دقيقة، وهو وقت طويل أتعب الجمهور رغم أن المخرج ذهب إلى تقسيم الحكاية إلى لوحات لتكون أكثر فعالية، غير أن الجمل المسرحية كانت بطيئة، ما يُشعر المتفرج بالرتابة في أحيان كثيرة، إذ كان بالإمكان أن تكون حركة الممثلين على المسرح متماشية مع الحوار، وتساق في سياق واحد، لربح الوقت، وتجنب الملل.

ويُلفت العمل إلى الإضاءة الممتازة التي تكفل بها باسم بوكبوس؛ إذ كانت عملية، وأدت وظيفتها الدرامية بشكل ممتع. والأمر نفسه بالنسبة للموسيقى التي وضعها منير قابوش، الذي أبدع في صناعة أجواء موسيقية متناسبة مع تطور أحداث المسرحية.