بقلم الدكتور موسى جمال

تحليل عنوان ديوان "منديل وقطعة قلب" لرياض منصور

تحليل عنوان ديوان "منديل وقطعة قلب" لرياض منصور
  • القراءات: 1945
❊لطيفة داريب ❊لطيفة داريب

سعيا منه لإثراء الساحة الأدبية النقدية، قدم الدكتور موسى جمال، تحليله المتعلق بعنوان أول ديوان شعري للشاعر رياض منصور، تحت عنوان "منديل وقطعة قلب" الذي يتشكل من 22 قصيدة، مع العلم أن منصور تم اختيار اسمه ضمن رواد موسوعة الشعراء الألف التاريخية.

كتب الدكتور موسى جمال، عن وجود عدة مناهج وآليات لتحليل الأعمال الأدبية، منها ما يعتمد على التفكيك وإعادة التركيب كما في المناهج البنوية، ومنها ما ينظر إلى النص الأدبي ككل متكامل ،كما نجده في المناهج التحليلية الحديثة، مضيفا أنه سيكتفي في تحليله هذا على سبر عنوان ديوان "منديل وقطعة قلب" للشاعر "الفذ رياض منصور الذي نال عدة شهادات وجوائز تدل على جودة قريحته، وقلمه الفياض في مجال القريض ونظم الشعر".

أشار إلى أن ديوان "منديل وقطعة قلب" يحتوي على 22 قصيدة، منها قصيدة عنوانها "منديل وقطعة قلب" التي استوحى الشاعر عنوان ديوانه منها، ليتساءل؛ ما هي المعاني الشعرية والمغازي النظمية وراء هذا العنوان؟ ومن ثمة ينطلق في عملية التحليل، فكتب أنه حلل هذا العنوان بطريقتين، الأولى منهما؛ الكشف عن الرمزية التي تدل عليها كل كلمة على حدة. أما الطريقة الثانية؛ فينظر إلى العنوان ككل متكامل وما يشتمل عليه من معان سامية وأحاسيس وجدانية بلورها الشاعر من خلال هذا العنوان.

أضاف الدكتور أن المنديل رمز للمواساة، التآزر، التآخي والتعاطف والتضامن، وللحب والشفقة، كما يرمز المنديل كذلك إلى تخفيف الآلام عن المثقفين بجراح الحياة وآلامها. هو تضميد وتغطية -لخاصية المنديل المربعة- لآلام المكلوم. كما أن رمزية " قطعة قلب" إلى البعض المنتزع من الكل، وليس أي شيء، وإنما بعض الفؤاد، الذي هو دليل الحياة، وعنوان الأحاسيس والآمال والآلام.

ذكر الدكتور من جامعة الجزائر "2" أن "قطعة قلب" رمز لشيء عزيز على نفسية الشاعر وله قدر عظيم في حياته، ويرمز الاقتطاع إلى انتزاع بقوة ودون رغبة من لدن الشاعر. كما أن الشيء المقتطع من القلب يشتمل على خصائص القلب، التي منها الحياة وضخ ماء الحياة في كل ما له علاقة به، فهو مصدر السعادة والشقاء، والجود والعطاء، وباجتماع اللفظتين تتشكل المقابلة البلاغية التي تشتمل على معان تجل عن الوصف، فهو جمع بين أضداد وربط بين متخاصمين، إذ أنه جمع بين المواساة والآلام، وبين التآزر والتعاطف مع مصائب الحياة وأحزانها.

كتب الدكتور أيضا أنه من خلال العنوان، تنهال علينا التساؤلات من قبيل؛ هل المنديل يزيح أو أزاح هم المشاعر وما انطوى عليه من البؤس والحيرة على ما انتزع منه؟ ما الشيء العزيز الذي انتزع من الشاعر حتى شبهه بقطعة القلب؟ هل ما زال الشيء المقتطع من القلب ينبض بالحياة أو فارقته بمجرد الاقتطاع؟ وهل جفف المنديل دموع الشاعر؟

أسئلة تتوارد من خلال العنوان، نجد إجابتها داخل القصيدة التي عنوانها نفس عنوان الديوان، حيث يقول الشاعر في آخرها "رديه يا أخت الوفاء فقصيديتي لا تقبل التسويف والأعذارا".

في المقابل، إذا نظرنا إلى العنوان من خلال آليات الأسلوبية النفسية التي أسسها ليوسبيتزر، محاولين الوصول إلى نفسية الشاعر وتحليلها، نجد الشاعر له نفس مثقلة بهموم أمته، مكلومة بآلامها، فهو الشاعر الاجتماعي الذي يحيى لأمته وبها ويعيش من أجلها -يضيف الدكتور-، وكتب أيضا أن الشاعر مهموم ومنشغل حتى عن أبسط شيء، وهو المنديل الذي لا يستغني عنه كل محزون، ومن جرت على خديه عبرات الألم، حتى يجفف ما تساقط منها على خديه. كما أننا نجد الشاعر لم يجد أفضل من عبارة قطعة قلب ليعبر بها عن أحاسيسه ومختلجات فؤاده. فهو لم يختر القلب في شكله الكامل المتكامل، بل بضعة به اقتطعت، لتكون أقوى في الدلالة على عظيم الألم وجسامة الحسرة وكبير الآلام. ولا عجب إذ القلب بؤرة كل ذلك.

اعتبر الدكتور أننا إذا نظرنا إلى قصيدة "منديل وقطعة قلب" من زاوية الأسلوبية الإحصائية، نجد الحرف الأكثر تكررا هو حرف الراء الذي يمتاز بالتكرار والتردد، فهو في تردده موجات البحر في ظهورها وخفائها، في قوة اصطدامها بالصخور وانسيابها بين الفجوات والممرات. فنفسية الشاعر تعتريها أمواج الآلام والحسرات على ما يشاهده ويسمع به من أخبار موجعة للقلب، ممرضة للنفس عن أمته التي هي منبع إلهامه.

ليختتم دراسته هذه بأن ما حلله هو غيض من فيض مما يوحي به عنوان هذا الديوان، ولو وسعنا دائرة التحليل إلى ربط العنوان بكل قصيدة من قصائد الديوان، والعلاقات الدلالية التي تربط بين ألفاظها، لاستكشفنا عدة معان مخبأة بين طيات هذا العنوان "منديل وقطعة قلب".