الأستاذ طاهر كُلالي لـ«المساء»:

تحفيز الطلاب السبيل الأنجع لنجاحهم

تحفيز الطلاب السبيل الأنجع لنجاحهم
  • 3030
لطيفة داريب لطيفة داريب

حمل رسالته على محمل الجدّ وأخذ على عاتقه مهمة تعليم الأجيال بكلّ حرفية وحب، وها هو اليوم يواصل مسيرته، لكن هذه المرة من باب آخر، وهو باب تكريم التلاميذ المتفوقين، ليؤكّد بأن التشجيع والتحفيز هما اللذين يدفعان بالتلميذ إلى مصاف أعلى.. إنه الأستاذ الطاهر كُلالي الذي التقت به «المساء» على هامش فعاليات الملتقى الدولي للتعليم عن بعد بين النظرية والتطبيق، الجزائر أنموذجا»، الذي نظّمه مخبر الممارسات اللغوية بجامعة تيزي وزو في أواخر السنة الماضية، وكانت لنا معه هذه الجلسة.

مارس الأستاذ الطاهر كُلالي مهمة تدريس مادة الرياضيات في المتوسطة، وكان كلّ همه أن ينجح تلاميذه، فأغزرهم بعلمه الوفير وأحاطهم بنبل أخلاقه، حيث أنه لم يستعمل قط وسائل العنف لإيصال رسالته، بل كان تحفيزه لهم عن طريق التأكيد بأنهم قادرون على التميّز، مع تقديم جوائز لهم في حالة نجاحهم. نعم كان ذلك سبيله في التعليم وقد نجح في الأمر  كثيرا.

التشجيع.. الخطوة الأولى

يحكي الأستاذ ُكلالي لـ«المساء» كيف كان يُقدّم الجوائز للمتفوّقين الثلاثة الأوائل في قسمه، كما كان يقوم بنفس الشيء  بالنسبة لأبناء وأحفاد أقاربه، وهو ما كان يكلّفه وقتا طويلا من خلال زيارة عائلات المتفوّقين، ليغيّر من هذه السياسة بعد تقاعده سنة 2000، واقترح جمع كلّ الفائزين وأوليائهم في بيته على مأدبة غداء ويقدّم كتبا حسب الشعب، لتتوسّع هذه المبادرة إلى الجيران في قرية المريج التابعة للخروب (قسنطينة)، حيث كان يأخذ التسريح من مدير التربية بالمنطقة ويستعير مطعما مدرسيا وينظّم فيه الحفل.

كان الأستاذ يأخذ صور التلاميذ الناجحين، لأنّه ينبذ فكرة شراء شهادة مدرسية من مكتبة ما وكتابة اسم الناجح فيها وتقديمها له، حيث يراها غير مجدية، بينما إذا تحصّل التلميذ الناجح على شهادة بصورة له فسيشعر بالسعادة وسيحتفظ بها إلى الأبد. وفي هذا السياق، استعمل شهادات خاصة أطلق عليها تسمية «تهنئة ذهبية» و«تشجيع ذهبي»، يضعها في إطار بلون مذهب ويسلمها للناجح يوم الحفل، مع كتاب أو منجد. ويضيف أنه يقدّم في أغلب الأحيان مناجد وأطلس الجزائر وأطلس العالم لما فيها من فوائد على كل أفراد عائلة التلميذ الناجح، كما أشار إلى أنّه مثلا يقدّم «لاروس طبي» لطالب توجّه إلى دراسة الطب وهكذا.

من التشجيع الفردي إلى التحفيز الجماعي

انتشرت هذه المبادرة في العديد من مدارس الخروب، ليتّجه الأستاذ إلى التشجيع الجماعي، حيث اتّصل بمديري المدارس وطلب منهم مساعدته بتقديمهم أسماء الناجين من الثلاثة الأوائل في طوري المتوسط والثانوي، أما بالنسبة للطور الابتدائي، فيتم اختيار الخمسة الأوائل من كل مستوى، وليس من كل قسم، أي مثلا الخمسة الأوائل من السنة الأولى، وهكذا يتم جمع 25 تلميذا من كل ابتدائية، يضعهم الأستاذ في «المستطيل الذهبي» وأطلق عليه تسمية «نجوم المدرسة الابتدائية الفلانية»، وهكذا لكل ناجح مستطيله وكتاب يقدّم له كجائزة، أما عن الذي يحتل المرتبة الأولى في مستواه فيسمى «النجم اللامع»، في حين يتحصّل أكبر معدل على لقب «النجم الساطع»، حيث توضع صورته في أعلى الشهادة، وهكذا يصبح التنافس على أعلى درجة بين الطلبة للوصول إلى هذه المرتبة.

في المقابل، قال الأستاذ لـ«المساء» بأنّه يعمل باسم جمعية أسّسها رفقة أبنائه وأحبابه وهي غير رسمية، فلم يتوان في إسعاد الطلبة الناجحين، بل أصبح أيضا يشارك في الملتقيات، بصفة مكرم، حيث يأخذ أسماء المتدخلين وصورهم ويضعها فيما اسماه بـ«كنز الذكريات». كما قام بنفس الشيء تجاه من يتعلّم في فضاءات ليست بالمدارس الرسمية، مثل كتاتيب تعليم القرآن، حيث توضع صورة التلميذ الأنجب في وسط الشهادة ويحيط به الآخرون كنجوم، نفس الشيء بالنسبة للناجحين في شهادة البكالوريا، حيث يضع الأستاذ فقط صور وأسماء الذين تحصّلوا على البكالوريا بمعدل لا يقل عن 15 من عشرين، وتطوّر الوضع وأصبح لأب وأم الناجح صورهم أيضا في كنز الذكريات، وهو ما يزيد من سعادة الطالب.

الاعتماد على التوأمة

لم يتوقّف الأستاذ عند تكريم طلبة الخروب وحسب، بل طال خيره طلبة ولايات أخرى، على غرار بسكرة، سطيف، سكيكدة وجيجل، علاوة على بلديات أخرى من ولاية قسنطينة، في إطار ما يسمى بالتوأمة، حيث يتم استضافة طلبة مدرسة من ولاية ما، لتناول وجبة الغذاء وحضور حفل تنشطه المدرسة المضيفة، والعكس صحيح.

كما اعتبر الأستاذ كلالي أنّ تكريم الطالب ليس بالأمر العسير أبدا، ولا يتطلّب أموالا باهظة، حيث لا يحتاج مدير مدرسة مثلا إلاّ لجهاز كمبيوتر وسكانير وآلة طباعة، حيث يتم التصوير الضوئي لصورة التلميذ ووضعها على الشهادة، ومنه طبعها، وأضاف أنّه يمكن للمدير أيضا أن يقدّم كشف نقاط التلميذ للوالد بحضور المعني ويشكر جهده أمام ولي أمره.

نصائح الأستاذ للطلبة 

في إطار آخر، يضع الأستاذ نصائح على ورقة تلصق في الصفحة الأولى من الكتاب المهدى، تعين الطالب في دراسته،  وفي هذا يقول «أتفاعل كثيرا مع أولياء التلاميذ وحتى التلاميذ أنفسهم عبر الفايسبوك، وفي هذا السياق، يقول لي الأولياء أنّهم بفعل المستطيل الذهبي، أصبح أبناؤهم يحبون الدراسة ويتنافسون في سبيل ولوج قائمة المستطيل الذهبي». أما بخصوص إجابة الأستاذ عن تساؤلات التلاميذ، فيقول أيضا «يطرح عليّ التلاميذ عدة أسئلة خاصة حول كيفية مراجعة الدروس، وأطلب منهم أن يراجعوا الدروس في يومها، حينما لا يزال صوت الأستاذ يرن في أذنه، إضافة إلى إيجاد مكان خاص بالمراجعة وعدم تغييره».

حل المسائل لاستيعاب الرياضيات

وعن تخوف التلاميذ من مادة الرياضيات، قال الأستاذ كُلالي بأنّ من يريد أن ينجح في مادة الرياضيات ما عليه إلا أن يكثر من حل المسائل وأن يطبّق النظريات. وقدم مثالا عن طفل التحق بالمدرسة التي كان يدرّس فيها ولم يكن ناجحا في مادة الرياضيات، بل كان يعتقد بأنّه فاشل لأن أستاذه السابق أقنعه بذلك، فكان أن قدم له أستاذنا عناية خاصة وطلب منه الإكثار من حل المسائل ليتحول الطفل «الفاشل» إلى تلميذ ناجح. وفي هذا يقول الأستاذ «لا يوجد طفل فاشل، بل هناك عوامل تدفعه إلى الفشل». ودائما عن مادة الرياضيات، أوضح الأستاذ أنّه يجب على التلميذ أن يطرح السؤال على نفسه وكأن الأستاذ يطرحه عليه، وهنا يستعمل خياله في الأجوبة، فالتخيل له دور كبير في التعليم.

وأشار الأستاذ إلى أن نسبة تسعين بالمائة من الطلبة الناجحين هم إناث، وعلل ذلك بأن الطفلة في العادة تعود إلى البيت وتشرب قهوة العصر، ومنه تبدأ في مراجعة دروسها، في حين يسرع الطفل إلى الخروج إلى الشارع وفي هذا خطر عليه، حيث يقول صاحبنا بأن الطفل لا يجب عليه أن يخرج إلى الشارع المليء بالمكاره بل ليراجع دروسه ويتنزه مع أوليائه في عطلة الأسبوع.

لا دروس خصوصية والعطلة مخصصة للراحة

لكن «ماذا عن الدروس الخصوصية التي تجبر هذا الطفل على مراجعة دروسه في أيام العطل؟»، يجيب المتحدث أنه ضدها وعلى الطفل أن يستمتع بأيام العطل،  وتسأل «المساء» من جديد «لكن يحدث أحيانا أنّ الأستاذ ضعيف، بالتالي يجد التلميذ نفسه مجبرا على الاستعانة بالدروس الخصوصية»؟، ويرد الأستاذ بأن الخطأ هنا في توظيف الأستاذ مباشرة بعد تخرّجه من الجامعة، بيد أنه شخصيا تلقى تكوينا لا يقلّ عن عامين كي يقوم بالتدريس، علاوة على أن الكثير من الأساتذة من العزاب لا يدركون قوة علاقة الأستاذ بالتلميذ ولا يشبهونها بالرابطة التي تصل بين الأب وطفله، كما يمكن لهم معاقبة كل القسم بسبب فعلة تلميذ واحد وهو ما ينبذه. 

التشجيع يحول المستحيل إلى ممكن

قدم أستاذنا مثالا عن مدرسة كان يدرس فيها أحفاده، ولم تكن تحتل مرتبة مشرّفة بين مدارس المنطقة من حيث نتائج طلبتها، فقام رفقة بعض أولياء التلاميذ بتأسيس جمعية ونظّموا رحلات تجمع بين التلاميذ والأساتذة، واستطاعوا خلق جوّ من الحميمية والتفاهم بين كل هذه الأطراف، كما تم تكريم التلاميذ وحتى الأساتذة عبر المستطيل الذهبي لتنتقل هذه المدرسة إلى المصاف الأوّل.

ولم يتوقف الأستاذ عند تكريم التلاميذ والأساتذة، بل طال جوده الخبراء والمحاضرون بالملتقيات التي تنظم في قسنطينة، وهو ما فعله أيضا في ملتقى التعليم عن بعد الذي نظم في الفترة الأخيرة بتيزي وزو، حيث سلم للأساتذة المحاضرين كنز الذكريات.

كما لم يستثن الأستاذ كُلال عمله الخيري طلاب مدارس محو الأمية، تطبيقا لسياسة تشجيع طلاب العلم، فطلب من مدير مدرسة محو الأمية بالمنطقة التي يقطن فيها، تقديمه لأسماء الدارسين بمدرسته، والذين لم يؤدوا في حياتهم مناسك الحج ولا العمرة، فكان ذلك وأجروا القرعة وتمكّن الأستاذ بمساعدة رجال الأعمال من إرسال 24 شخصا إلى العمرة، حتى أنه كان دليلهم في تلك المهمة. كما عرفت هذه المدرسة تسجيل 600 شخص ربما طمعا في العمرة، وهو ما يراه بالأمر الجيد.

وفي الأخير، اعتبر الأستاذ كُلالي أنّ مبادرته دفعت بالنساء إلى خلق محادثات من نوع آخر، حيث أصحبن كثير الحديث عن دخول أولادهن إلى «المستطيل الذهبي»، بالتالي تمّ خلق تقليد جديد في المجتمع.