المسرح الروماني بسكيكدة

تحفة أثرية تعاني من بطء أشغال التهيئة والترميم

تحفة أثرية تعاني من بطء أشغال التهيئة والترميم
  • القراءات: 2775
❊بوجمعة ذيب ❊بوجمعة ذيب

ما زالت عملية إعادة تهيئة وترميم المسرح الروماني بسكيكدة  متوقفة منذ سنة 2006، رغم أنه سبق واستفاد منذ سنتين تقريبا من عملية جديدة، تتمثّل في أشغال إستعجالية، حسبما صرح به أنذاك مسؤول الدائرة الأثرية بالولاية، الذي أكد أن الأشغال الاستعجالية الجديدة ستنطلق خلال شهرين من ذلك التاريخ، بعد أن تم تعيين مكتب دراسات مختص، يملك تجربة كبيرة في عملية ترميم المعالم الأثرية، على أن يقوم الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية بمتابعة الأشغال، لكن منذ ذلك الوقت ما زالت دار لقمان على حالها، فلا الأشغال الاستعجالية القديمة انطلقت ولا حتى الجديدة، ليظل مصير المسرح الروماني المصنف وطنيا يراوح مكانه.

سبب عدم انطلاق الأشغال الاستعجالية إلى اليوم، أرجعه مصدر من مديرية الثقافة إلى جملة من العوائق، منها خاصة وجود قناة للمياه الصالحة للشرب، تعود إلى الحقبة الاستعمارية تعبر المسرح الروماني وتتسرب منها المياه بسبب قدمها، الأمر الذي يستوجب على مصالح «الجزائرية للمياه» التدخل العاجل لتحويل تلك القناة إلى خارج المسرح في أقرب الآجال، ليتم بعد ذلك الشروع في تدعيم مدرجات المسرح مع إنجاز شبكة تصريف مياه الأمطار، ومنه الشروع في إنجاز المنصة.

وعن الهدف من الأشغال الاستعجالية، أضاف المصدر أنّها تكمن في إزالة التربة والردوم والحشائش الضارة والأشجار، من أجل وضع حد لتدهور المعلم، وبموازاة ذلك، إنجاز قنوات تصريف مياه الأمطار.

سبق أن استفاد المسرح الروماني للمدينة سنة 2016، من عملية جديدة تتمثل في الأشغال الاستعجالية، بناء على توصيات مختصين من خبراء في علم الآثار من الوزارة الوصية، كانوا قد عاينوا الوضعية السابقة التي آل إليها المسرح الروماني، خاصة بعد توقّف أشغال إعادة الترميم التي انطلقت تقريبا سنة 2006، ورصد للعملية غلاف مالي قدر آنذاك بأكثر من 04 ملايير سنتيم، والمبلغ يخص أيضا أشغال تهيئة الحديقة الأثرية المجاورة له، زيادة على تخصيص مبلغ إضافي قدر بأكثر من ملياري سنتيم لإعادة التهيئة، من خلال إنجاز المرافق الملحقة كالأجهزة الصوتية والإنارة الخاصة بالمسارح، لكن ومع اكتشاف المدرج الروماني الأصلي وما نجم عن ذلك من توقف للأشغال، تدخل المختصون والخبراء من جديد قصد إعادة وضع رؤية جديدة لأشغال الترميم، تأخذ بعين الاعتبار المعطيات الجديدة التي تمخضت عن عملية اكتشاف المدرج، مما أدى إلى إخضاع الموقع لدراسة إستعجالية أخرى جديدة تعد الثالثة، رصد لها غلاف مالي قدر بحوالي 03 ملايين دينار، بهدف القيام بأشغال من شأنها إعادة الوجه الحقيقي للمسرح الروماني، كما كان في سابق عهده.

حسب معاينة «المساء» للموقع، فإن عملية التهيئة الأولى التي خضع لها المسرح أفرغته من محتواه، حيث لم تأخذ تلك الأشغال بعين الاعتبار الطابع المعماري الروماني الذي كانت عليه، لاسيما طبيعة المدرجات التي أنجزت بمواد جديدة لا علاقة لها على الإطلاق بطبيعة هذا النوع من المسارح، مما أفقده صفة المسرح الروماني، ناهيك عن طبيعة الأشغال التي تفتقد إلى المسحة الفنية، والأكثر من ذلك فحتى الأعمدة التي تم تنصيبها على طرفي المنصة والتي تشبه إلى حد ما الأعمدة التي يبرع الرومانيون في تزيين قصورهم بها، أثبتت الخبرة التقنية التي قامت بها مؤسسة مصالح المراقبة التقنية للمباني أنذاك، بأنها لم تنجز حسب المواصفات المتعارف عليه في مثل هذه الحالات.

للعلم، فإن المسرح الروماني المتواجد بوسط مدينة سكيكدة الذي يضاهي في جماله وكبره المسرح الروماني لتيمقاد بولاية باتنة، وجميلة بولاية سطيف، ومداوروش بولاية سوق أهراس، والمسرح الروماني لتيبازة المطل على البحر، يعد واحدا من أكبر وأوسع المسارح التي شيّدها الرومان في إفريقيا الشمالية، فهو مستوحى من المسرح اليوناني ويتكون من حجارة كبيرة محفورة في منحدر جبل، يتربع على مساحة إجمالية تقدر بـ 4900 متر مربع ويتسع لأكثر من 6 آلاف متفرج، وقد تم بناؤه خلال فترة الأمبراطور «أدريان» في القرن الثاني، وحسب الروايات التاريخية، فقد تم تشييده بفضل تبرعات الأديب أمليان بلتور، قبل أن يدمر الاستعمار الفرنسي أجزاء منه، خاصة منصة «براكسينيوم» التي بنا فوقها ثانوية النهضة للبنات، ناهيك عن تغييره لطبيعة المسرح بتحويله من روماني إلى إغريقي.

وفي كل هذا، يبقى على الجهات المعنية، خاصة وزارة الثقافة، التدخل العاجل من أجل إعادة بعث أشغال التهيئة الاستعجالية حتى يتسنى للمسرح أداء وظيفته، على غرار المسارح الرومانية المتواجدة بعدد من ولايات الوطن، مع فتح الحديقة الأثرية للجمهور، بعد تدعيمها بالجدار الذي سقط مؤخرا من الناحية الغربية بفعل انجراف التربة، جراء الاضطرابات الجوية التي تميّزت بسقوط كثيف للأمطار، مما أدى إلى إتلاف أجزاء من بعض القطع الأثرية.

بوجمعة ذيب