التشكيلي سمير بن سالم يقدم جديده
تجليات من وراء جدران العزلة

- 694

يقترح الفنان التشكيلي سمير بن سالم، لوحات جديدة من ورشته بمدينته "رأس الوادي" ببرج بوعريريج، التي ينعزل فيها لفترات، ليخرج بمشاهد تثير الدهشة وتفتح التساؤل. سمير بن سالم من مواليد سنة 1970 بمدينة رأس الوادي، ويقيم ببلدية أولاد ابراهم التابعة لهذه المنطقة المعروفة، استطاع إنجاز متحف مجاور للبيت الطيني الذي كان يقطنه في مراحل الصبا، حيث الطبيعة تنضح بما فيها من فتن الجمال والإبداع الرباني، مما يجعل ساكنتها فنانين رغم أنوفهم، وتشرح صدورهم بالبهجة والتفاؤل في كل حين ووقت، رغم المحن والشدائد، ومن ثمة، واجه هذا الفنان كل المآسي بالألوان والثبات.
يلزم هذا الفنان العزلة حين يبدع، رغم الاغتراب الداخلي الذي يعانيه، ككل فنان لم يسمع صوته، ولم يلق فنه مكانه الذي يستحق داخل مجتمعه، ورغم ذلك، يصر على المشاركة في بناء الوعي والجمال والذوق العام الذي يصد الابتذال والقسوة والهمجية. عاش سمير بن سالم طفولته اضطرابات عميقة لم تعالجها سوى ممارسته للفن، فالمحيط المحافظ وتذبذب الوضع العائلي، شكلا صدمة عميقة عنده، جعلت لوحاته وعبر مراحل من الإنتاج، تعبر عن حالة من القلق، وظهر ذلك في رسومات الجسد الذي عانى من الكبت وتجلت فيه الأشكال الغريبة الموحية بقناعات سمير، وغالبا ما سادت السريالية التي تجعل من يطيل التأمل في ألوانها الهادئة، بعضا من العقد والتناقضات، تتماشى والرموز والأشكال التي يحويها عمق اللوحة.
أثرت العشرية السوداء على الفنانين أكثر من غيرهم، كانوا مهددين ومحل تشكيك، وأهدافا سهلة للقنص، ففر عدد منهم إلى الخارج، وآخرون فضلوا التستر والتحفظ حتى تهدأ الأوضاع، في تلك الأثناء، كان سمير في الخدمة العسكرية (1993 -95 )، فشهد العديد من المجازر التي راح ضحيتها أبناء المناطق النائية والقرى الجبلية، ويلمس التأثر بالفضاءات التي عاشها في لوحاته، من خلال الأجساد المنقوصة والألوان الداكنة، وغيرها من التفاصيل التي يقدرها النقاد ورجال الفن. بعد إنهاء الخدمة العسكرية، توجه إلى المدرسة الجهوية للفنون الجميلة بمستغانم في أواخر 1995، حيث تلقى تكوينه الأكاديمي، مما عزز مساره ورؤيته الفنية التي اختارها. يعشق هذا الفنان مدن الخيال، وهو حنين لأمكنة فاضلة لاتوجد على أرض مجتمعنا، وهو مايدل على أن الفنان لاتروق له المدن الكبرى ومدنيتها، وصخبها الذي يضيع فيها صوت الفن النقي الذي لهم كانته.
المهم أن هذا الفنان متصالح مع ذاته، ويقدم فنه عاريا من كل ألوان دخيلة أو تنميق، فهو لا يجامل رغم حبه للجمال، بل يجر المشاهد إلى لوحته، ليسمع وجهة نظرها في شؤون الفن والحياة. إن المقاربات والمواضيع التي تفضي إلى خلق العمل الفني، ترتبط برؤية الفنان ومخيلته، وقد تكون امتدادا لشخصيته أيضا، فالفن بمثابة تواصل بمفاهيم لا يمكن للكتابة وحدها التعبير عنها، واللوحة هي انعكاس للفنان أولا وأخيرا، والفن الجميل هو الذي ينجح في تصوير أشد انفعالات الفنان المنبعثة من عمقه، تترجمها اللوحة مهما كانت صورتها.