الفنان عبد الحليم كبيش برواق «محمد راسم»

تجليات بخيوط التفاؤل في «ألوان حائرة»

تجليات بخيوط التفاؤل في «ألوان حائرة»
  • القراءات: 1155
مريم. ن مريم. ن

يتزيّن رواق «محمد راسم» بلوحات الفنان عبد الحميد كبيش التي بلغت أوجّ الإبداع والتميّز، مما جلب الجمهور الذي لم يكتف بالنظر إلى تلك الأعمال بل اقتنى الكثير منها وهي لاتزال معروضة، فما يُجلب في هذا المعرض الذي يمتد إلى غاية 30 سبتمبر الجاري هو الألوان المشعة التي تعكس سحر الزهور وعبقها، وتبعث بروح الأمل والتفاؤل في وجدان من يشاهدها حتى عندما تصور مواضيع قاسية كالبؤس والحرب.

يقدم المعرض حوالي 50 لوحة زيتية تعكس أغلبها الأسلوب التعبيري الآتي من منطقة جيجل الخضراء ذات الطبيعة الفاتنة، وهو بعنوان «ألوان حائرة» التقطت من الفضاء الجيجلي الذي لا سقف ولا حد له، يتميز بترنيمات متناسقة تخبر الزائر من خلال وشوشات هادئة عن هذه المنطقة من الجزائر عبر جبالها وشواطئها وربوع ريفها ومباني مدنها العتيقة.

من ضمن ما تم عرضه نجد مثلا «طريق الجنة» و»همسات الورد» و»الرجل العجوز ذو المكنسة» و»سمفونية الربيع» و»راقصة الضوء» و»غبار الحرب». وتبقى حيرة الألوان جزءا من حيرة الإنسان التائه بين مشاهد العنف والحرب والدمار الشامل على الرغم من وجود مكنونات الجمال، خاصة في الطبيعة الخلابة التي رسم الفنان تجلياتها من خلال الزهور التي ملأت حيزا كبيرا من المعرض.

اختار الفنان بذكاء الأسلوب التعبيري كنوع بين الموازنة بين الواقع وبين انطباعه؛ كفنان له نظرته وإحساسه حول ما يجري بدون أن ينجرف نحو التجريدي الجاف، ولا يخفي انحيازه الكامل إلى الريف؛ حيث رأى النور في جيجل، ليكتشف بعدها بسنوات المدينة، ويكن لهذا الريف بالجميل؛ إذ مكّنه من التأمل واكتشاف الخلق والجمال والفطرة والنقاء.

رُسمت لوحات كبيش على القماش، وهي تحوي ألوانا حية بكثافة مميزة وبإيضاءات متدرجة مستمَدة من الطبيعة ومن بواطن النفس البشرية التي تتوق إلى الجمال والهدوء رغم إخفائها انفعالات متباينة.

ترعرعت موهبة هذا الفنان منذ الطفولة وترعرع معها الذوق والإحساس الراقي والنبيل، وبدأ الرسم كفطرة قبل أن يكون فنا قائما بحدّ ذاته.

شق الفنان طريقه بالتكوين الأكاديمي، لينعكس ذلك في لوحاته التي تضم تقنيات راقية وبأبعاد مختلفة. وما يلاحَظ في هذا المعرض تكرار الزهور بإيقاعات مختلفة.

رسم الفنان لوحة «العازفة» التي عرضها في معرض الفنانين التشكيليين العرب بعمان، وهي تشير إلى حرمان امرأة عربية من موهبتها في العزف على آلة العود بدافع التقاليد؛ مما أجبرها على العزف خفية، ولكن الفنان أعطاها أبعادا أخرى تتجلى في معاناة الراهن العربي القاسي. لوحة «العازفة» هي أكثر لوحة ارتمى فيها عبد الحليم، تعكس حصيلة طويلة من العمل، وتحمل أحاسيس عميقة وغائرة في جوف الإنسان. اللوحة شدت الجمهور وكأنه متعاطف مع هذه الفنانة الشابة التي تصارع من أجل فنها الذي لا اعتبار له في وسط مغلق على نفسه، ولا يسمح بالأحاسيس أن تتوسع إلى مدى أبعد.

هناك لوحات أخرى جلبت الجمهور، منها عامل النظافة والشيخوخة وغبار الحرب الذي يعكس المعاناة السورية من خلال أم لاجئة وهكذا، وغالبا ما كان الجمهور يعتقد خاطئا أن الفنان في أواخر مرحلة النضج الفني؛ لِما بدا منه من تمكن ورقي واحترافية، وكاد البعض لا يصدّق أن عبد الحليم شاب.

للإشارة، عبد الحليم كبيش من مواليد 1972 بجيجل، حاصل على شهادة الدراسات العليا في الفنون الجميلة، مقيم بالعاصمة.

بعد تخرجه من مدرسة الفنون الجميلة إلى فضاء الحرية والإبداع بدأ تجربته الفنية المستقلة، محاولا خلق أسلوب خاص يميزه عن الآخرين.