بشير بن شيخ يبدع "الطبيعة" برواق" عائشة حداد"

تجليات الريف القبائلي

تجليات الريف القبائلي
الفنان بشير بن شيخ
  • 712
مريم. ن مريم. ن

يحمل الفنان بشير بن شيخ معه، ذكرياته الجميلة بالريف القبائلي، الذي ترعرع بين زرعه وخضرته، وتحت سمائه، ليبرز حياة بسيطة ولّت مع الصبا، لكنه يحرص على حث الشباب من خلال معرضه الطبيعة المقام إلى غاية 22 أكتوبر برواق "عائشة حداد"، على العودة إلى طبيعة الجزائر الخلابة، وما تعلّق بها من تراث وتقاليد، وماضي الأجداد.

يرتبط هذا الفنان، وجدانيا، بالطبيعة، التي هي جزء من ذكرياته الباقية مع تقدم سنه؛ إنها الهبة التي وضعها الخالق على أرض الجزائر، تغلغل جمالها وخصوصيتها في تكوين الإنسان الجزائري عبر التاريخ، ويحاول جاهدا من خلال اختياره الأسلوب الانطباعي والتصويري، أن يقف على أدق التفاصيل؛ بوصفه حياة القرويين والفلاحين في المشاهد اليومية المتعلقة بالحرث، والرعي، وجني الزيتون، والنسيج، والطهي، وجلسات السمر، خاصة في ليالي الشتاء القارس، أو في سهرات الصيف تحت ضوء القمر. وتتزين اللوحات بالألوان، وبالطبيعة الخضراء، لتتحول إلى مرشد سياحي تارة، وإلى حكواتي تارة أخرى.

التقت "المساء" الفنان، الذي أكد أن أغلب لوحاته هي عن البيئة والطبيعة القبائلية الساحرة، خاصة تلك الآتية من الماضي، ومن ذكريات طفولته وصباه. أما ما حصل بعدها من غزو الإسمنت ومن بعض الأمور الدخيلة، فيقول إن ذلك لا شأن له بها؛ إذ ينزعج من فوضى الألوان في المباني (الطلاء)، ومن الإسمنت المسلّح الذي وصفه بكاسر عزيمته الفنية. وأضاف: ترعرعت في هذه الطبيعة، وكانت حياتي السعيدة فيها. وأقول إن ذلك الجمال ليس حكرا فقط على هذه المنطقة مسقط رأسي، بل إن هذا الجمال الطبيعي الرباني ممتد عبر الجزائر كلها، لكنه، للأسف، غير مثمَّن ومستثمَر من الفنانين".

ثم استرسل في حديثه مع "المساء" قائلا: "هناك مشاهد عديدة للقرى، والدروب، والسهول، وأشجار الزيتون وغيرها، تكاد ترسم نفسها بنفسها، وليس للفنان ما يضيفه عليها ما عدا فعل الجذب، الذي تمارسه هذه المشاهد على الفنان لتفتنه". واعتبر أن ما دُون ذلك كله مصطنَع، ولا يرقى لخلق الله. وأتذكّر أنني في إحدى المرات، ذهبت للريف في زمن الثلج مع صديق لي، وفي نفس اللحظة جذبنا نفس المشهد الطبيعي الخلاب، فقال كلانا للآخر في نفس اللحظة: "انظر هناك!".

وأشار الفنان إلى أن معرضه يحمل الكثير من القيم الاجتماعية؛ منها الأشغال المنزلية، والطبخ الذي تمارسه النسوة ولا تقوى عليه بنات اليوم؛ مثلا، في ظل توفر الأكل السريع وغير الصحي. وهناك، أيضا، دار الفنان العائلية التقليدية الظاهرة في إحدى اللوحات؛ حيث تجتمع العائلة حول الكانون لسماع حكايات الجدة، بينما الجد ببرنوسه يستمع من بعيد، وهنا قال: "لا تروقني تلك الجلسات التي توصف بالتقليدية القبائلية التي تعرَض على الشاشات التلفزيونية؛ فهي، غالبا، ما تصوَّر في استوديوهات عصرية، وبأكسيسورات لا علاقة لها بتاريخ الأجداد، لتبدو كأعراس قاعات الحفلات، بعيدة عن تقاليدنا. وكذلك بالنسبة للسينما، التي تُظهر، مثلا، الراحل سي امحند أومحند ببرنوس جميل نظيف وثمين، بينما كان يلبس أجدادنا الرث من الثياب في زمن الاستعمار".

وأكد بن شيخ أن الفنان بإحساسه هو المعبّر عن هذا الماضي الجميل، ويدقق في ما لا يراه الآخرون. وحث بمناسبة هذا المعرض، الفنانين على الالتفات إلى طبيعة الجزائر، وتراثها الذي لا ينضب كما يفعل هو منذ 50 عاما. حكاية الفنان مع العاصمة حكاية أخرى؛ حيث جاءها في سنوات السبعين ليلتحق بمدرسة الفنون الجميلة. وكان أستاذه يأخذه مع زملائه لزيارة عدة مواقع بالعاصمة؛ منها القصبة، وباب الواد، وغيرهما، وهو ما سجله في هذا المعرض.

للإشارة، من بين اللوحات المعروضة هناك "ساحة الشهداء"، و"حقل القمح"، و"سيدات في منبع الماء"، و"الحصادون"، و"ساحل ليلو بعين البنيان" إلى جانب "زوبعة بحرية"، و"ما بعد جني الزيتون"، و"المطر قادم"، وأيضا "القروي وزوجته"، و"الناسجة" وغيرها من روائع الريف، وكلّها تريح العين بألوان الطبيعة، وعلى رأسها اللون الأخضر".