صدور «لونيس آيت منقلات الحكيم» للدكتور أرزقي فراد

تجربة حياة موقعة بلغة الشجن

تجربة حياة موقعة بلغة الشجن
  • القراءات: 972
مريم.ن مريم.ن

صدر مؤخرا، للباحث المؤرخ الدكتور أرزقي فراد، كتاب بعنوان «لونيس آيت منقلات الحكيم»، يقدم فيه معالم من شخصية ومسار سفير الأغنية القبائلية الذي ظل ينشر القيم والجمال وخصوصية الثقافة الأمازيغية الأصيلة، ناهيك عن البعد الفلسفي في أعماله، لذلك لقّبه جمهوره بـ«الحكيم»

تميز فن آيت منقلات بالتنوع وساير مراحل عمره، فمثل أبناء جيله، انطلق بالأغنية العاطفية والاجتماعية، ليدخل بعدها حراك الأغنية الملتزمة المشبعة بلعبة المعاني السياسية. وفي الأخير توّج مساره بأغنية الحكمة ذات المدلول.

يشير الكاتب إلى أن آيت منقلات سكنته الأغنية منذ طفولته المبكرة، حين جلب عمه مبارك أول مذياع إلى القرية، ثم جاء لقاؤه التاريخي مع رفيقة الدرب آلة القيثارة، بعدما أحضرها أخوه إلى المنزل، وهو لا يعرف العزف، فأخذ لونيس يداعبها إلى أن تعلم العزف بطريقة عصامية.

أما عن الشعر، فذاك أمر آخر، فقد كان منذ البدايات ترجمانا للأحاسيس، وداعيا للمثل العليا وأداة لإبداء النقد من أجل حياة أفضل. ورغم صرامة صورته وهيبته حين صعوده على الخشبة، فإن هذا الفنان مفعم بالأحاسيس الرومانسية الصادقة، لكن تميّز عن غيره بروح الشجن الموجودة في عواطفه الفياضة، الأمر الذي جعله يشترك مع شعراء كبار، منهم عمر الخيام والمتنبي وجبران خليل جبران وأبي القاسم الشابي، بل وحتى مع الشيخ الأكبر الصوفي محي الدين بن عربي في قوله «تحيا إذا قتلت»، حين قال الفنان لونيس آيت منڤلات «قد يكون السيف القاتل هو محيينا».

ويوضح المؤرخ فراد أن آيت منڤلات من أبرز من خدموا الموروث اللغوي الأمازيغي. فقد شكلت المسألة الأمازيغية أهم الهواجس التي شغلته، مدركا أهمية تدوين الثقافة الأمازيغية لصيانتها من الاندثار، حيث قال «حافظوا على لغتكم المنقولة عبر الأجيال شفهيا، الآن صارت مكتوبة وتدركها أجيال الخلف».

ويضيف الكاتب أن آيت منقلات اعتنى بالعمق في الأغنية القبائلية، من خلال الغوص في أسرار الحياة، وتحدث على لسان «أمغار» (الشيخ المسن) المحنك، وعلى لسان المجنون أحيانا أخرى، كما هو باد في أغنية «سَرَّحْ إوَمَانْ أذلْحونْ» (دع الماء ينساب)، تحمل فلسفته بصمات الفلسفة الفارسية المتأثّرة بالفلسفة الهندية البادية في كتابات ابن المقفع والشاعر عمر الخيام، كما تحمل بصمات الصوفية من خلال حكم الشيخ مُحَندْ وَلْحسين.

يشير الكاتب إلى أن منطقة آث منڤلات (عين الحمام حاليا) التي ينتمي إليها شاعرنا، كانت مهدا للثقافة الإسلامية والتصوّف، فقد أنجبت علماء كثيرين، ذاعت شهرتهم في المغرب والمشرق، بالتالي كان من البديهي أن تحمل بعض أغاني لونيس آيت منڤلات مسحة روحية، والعجيب أن هذه البصمة برزت بوضوح في بداية مساره، منها أغنية «وَكْلَغْ رَبِّي» (أوكلتُ أمري لله) جاء فيها «إليك أتوجه ربي/  لإنقاذي من هاجس الخوف، فأنت المنقذ». وخلص محمد آرزقي فراد إلى أنه رغم سمو مكانة الحكيم لونيس آيت منڤلات بين أهله، إلا أنه نأى عن الغرور، ويتحلى بالتواضع والإيثار والكرم، ويقيم بين أهله في قريتة «إغيل بواماس» بأعالي جبال جرجرة.

للإشارة، كتب مقدمة الكتاب الشاعر سليمان جوادي، وأثنى على هذه القامة الفكرية والأدبية والفنية، وأشار إلى أن فراد تناول شخصيته من كلّ الجوانب، إذ أنه مختص حاذق حريص على الدقة، متوقف عند الكثير من التفاصيل التي قد تكون مفاتيح لولوج عالم آيت منقلات الشعري.

لم يترك الدكتور محمد أرزقي فراد صغيرة ولا كبيرة، ولم تفلت من بين يديه شاردة ولا واردة إلا وأحصاها وذكرها، ومحصها شرحا وتفصيلا وتدقيقا وتحقيقا، مما يسهل على القارئ والدارس التقرب من الشاعر وشعره وفهم المبهم منه، وحاول أن يتحدث عن جميع الأغراض الشعرية التي كتبها صاحب الديوان، وأن يوصل للمتلقي ثمرة مجهوده بطريقة سلسة بسيطة خالية من التعقيد والغموض، الأمر الذي يؤكد سعة إطلاع الدكتور فراد على التراث الثقافي الأمازيغي والعربي والإنساني عموما، وإلمامه بكثير من أدوات النقد الأدبي، التي تمكنه من تحليل القصائد وتفكيك رموزها وتبسيط الغامض منها. قال جوادي «ولعل آيت منقلات من الشخصيات الفنية القليلة على مستوى الوطن، التي يتشكل حولها إجماع من حيث الاحترام والتقدير على المستويين الشخصي والفني، وهو ليس ـ كما يقول ـ صديقنا محمد أرزقي فراد «قمة» مضافة إلى قمم جرجرة، بل قمة من قمم الجزائر، كل الجزائر».