سيدة الشاشة فريدة صابونجي

تجربة حياة خطتها الروائع

تجربة حياة خطتها الروائع
الفنانة القديرة فريدة صابونجي
  • القراءات: 778
 مريم. ن مريم. ن

ملكت الفنانة القديرة فريدة صابونجي الجمهور الجزائري بكل أجياله وأطيافه، رغم غيابها لسنوات عن الشاشة، وظلت السيدة التي تملك في مشوارها الكثير من الروائع، كما كانت شاهدا حيا على مراحل هامة من مسيرة الفن الجزائري، وعملها مع العمالقة، وفوق كل ذلك، فهي الإنسانة الرقيقة والعاصمية الحضرية صاحبة الشموخ الجزائري الذي لا يقهر.

عاصرت السيدة فريدة صابونجي جيل الرواد، وترعرعت في كنفهم منذ نعومة أظافرها، حيث انطلقت في هذا المشوار، بعد مشاركتها في حصة صبيانية، للفنان الإذاعي المعروف الراحل رضا فلكي، في أربعينيات القرن الماضي، ورغم الظروف الصعبة حينها، خاصة بالنسبة للمرأة، إلا أنها واصلت المسيرة بكل ثبات. عاشت الفنانة صابونجي، كأبناء جيلها، ويلات الاستعمار، مما رسخ فيها حب الوطن والانحياز بشكل تام للجزائريين، فقدمت لهم تمثيليات اجتماعية، لكنها تحمل معانٍ وطنية، وتغرس الوعي لمواجهة هذا المستعمر الذي ظل يعمل المستحيل بكل وسائله الجهنمية كي يمحو من ذاكرة الجزائريين هويتهم. كانت السيدة صابونجي في كل مرة، تحكي بفخر واعتزاز عن هذا التاريخ، وتعتز بتضحيات أبناء جيلها ومن سبقهم، وتقول إن الجزائريين كانوا، رغم حالهم البائس، يملكون عزة النفس ويعيشون يومياتهم بتضامن، ولا يفرطون في ثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم، كما كانوا مولعين بالفن، ليس فقط في المدن الكبرى، بل وفي كل أرجاء الجزائر، حيث كانت هي وزملاؤها يستقبلون بحفاوة خلال جولاتهم، ويتابع الجمهور عروضهم.

ارتبطت السيدة صابونجي أيضا بحبيبتها القصبة، لأن فيها الأصل و"ريحة البلاد"، ولأنها كانت زمن الاستعمار، رمزا للجزائر الأصيلة التي كانت تختلف تماما عن المدينة الأوروبية، لذلك عندما طلبت إدارة التلفزيون في زمن الاستعمار من صابونجي، أن تعوض مذيعة ربط فرنسية غابت عن البث، اشترطت هذه الفنانة الجزائرية أن توجه تحية وإهداء لأبناء القصبة، وكان لها ما أرادت، وبذلك كانت أول مذيعة في تاريخ الجزائر. ظلت السيدة صابونجي وفية لزملائها، تتحدث عن ذكرياتها معهم وتثمن مسارهم، كما لم تقطع علاقاتها الاجتماعية وزياراتها لزميلاتها، خاصة منهن نورية وفتيحة بربار وشافية بوذراع. بعد الاستقلال، بدأت صابونجي مشوارا آخر أكثر احترافية، سواء في السينما والتلفزيون، أو في المسرح، وكانت حاضرة في الكثير من الروائع التي لم تنطفئ شمعتها إلى اليوم، ولا زالت مطلوبة بقوة من الجمهور الجزائري والمغاربي.

منذ أيام، أعاد التلفزيون الجزائري بث حصة "شموع"، التي كان ينشطها جلال، حيث استضاف فيها الفنانة صابونجي واستعرض معها مسيرتها، مع لقطات من أهم الأعمال التي شاركت فيها، ومن ضمن ما قالته، إنها طلب منها في نهاية الستينات، أداء دور مسرحي بطلته شخصية خرافية، وحفظت النص، لكنها لم تكتف بذلك، بل أرادت أن تعرف الكثير عن الشخصية، فاتجهت حينها للمكتبة الوطنية، وبحثت بمساعدة أساتذة، واكتشفت أن الشخصية مؤرخة في الأدب الإسباني، حينها قررت السفر إلى إسبانيا بإمكانياتها الخاصة، وبحثت بتوجيه من عمدة إحدى المقاطعات ودخلت المتحف، وعرفت الكثير عن هذه الشخصية الرمز في الأدب الإسباني، ورجعت وأدت الدور بكل تمكن ودراية، وقالت لجلال مكثت في إسبانيا حتى أُنهي بحثي، وعندما نفذ مالي، بعت خاتما من ذهب كان في أصبعي"، وهو ما يبرهن على قيمة الفنان الجزائري حينها، وارتباطه بفنه وعمله، عوض اللهث وراء الربح السريع.

عاشت الفنانة في ذاكرة الجزائريين بصورة المرأة المتسلطة والأرستوقراطية، مثلما كان الحال مثلا في "خذ ما اعطاك الله يا دايم الله" و"المصير"، كما أدت بنفس التمكن، دور المرأة المغبونة والمغلوب على أمرها، كما في فيلم زوجة لابني، وهو ما يثبت إمكانياتها في التمثيل من دون تكلف ولا زيف. وأدت الكوميديا من خلال عمل بُث سنة 1985، يكشف التحول السلبي الذي عرفه المجتمع الجزائري بعد الانفتاح الاقتصادي، حيث انقلبت القيم والموازين وأصبح الدينار هو السيد، وهنا تؤدي صابونجي دور أمية تكلف نفسها عناء المظاهر والعصرنة بشكل يثير القهقهة. التقتها المساء في العديد من المرات، لتكتشف تلك السيدة الحنون التي تفيض أمومة وتواضعا، رغم وقوفها الشامخ وصورتها الجميلة، تتحدث برزانة وهدوء، وتحيي من قريب ومن بعيد جمهورها الوفي.