ندوة "فلسفة الكتابة"

تجاوز الحكي إلى طرح الأسئلة والغوص نحو العمق الإنساني

تجاوز الحكي إلى طرح الأسئلة والغوص نحو العمق الإنساني
  • 225
مريم. ن مريم. ن

احتضنت قاعة المحاضرات الكبرى "أسيا جبار"، ندوة حول "فلسفة الكتابة"، تناولت في الأساس البعد الفكري والفلسفي في عملية الكتابة خاصة بالنسبة للرواية والاشتغال على عمقها الفكري الذي يتجاوز الحكي والطرح السطحي والمتعة الزائلة.

نشط اللقاء الدكتور أمين الزاوي الذي قدم الضيوف المشاركين الثلاثة واصفا إياهم بالأصدقاء المقربين الذين قرأ كل أعمالهم وناقشهم فيها، وبدورها تدخلت الروائية ربيعة جلطي لتتحدث عن آخر ما أصدرته ووقعته في سيلا وهي رواية "السرجم .. هاجوج وماجوج"  التي تضمنت اشتغالا جميلا على الأسطورة، كما ذكرت بعض أعمالها ذات العمق والمعنى هذا الأخير الذي تولد من تساؤلات ولدت مع طفولتها الأولى إلى حين تمكّنها من مناقشة الراحل والدها في فلسفة أفلاطون وأرسطو وغيرهما، مثمنة أيضا تراث السابقين الذين أثروا فيها منهم اسخاليوس وهيموروس وبورخيس الذين تحدثوا في الفلسفة وأثاروا التساؤلات دون الإجابات خاصة في الرواية.

انتهاج القراءة الفلسفية

أكدت المتحدثة أن أعمالها الروائية كانت جمهرة من الأسئلة عن الوجود والحب والكره والاستبداد وغيرها، وبالنسبة لآخر رواياتها "السرجم ياجوج ومأجوج" فهي أسئلة بدون جواب، مشيرة إلى أنه لا أدب دون فلسفة (والمقصود هنا ليست المصطلحات الفلسفية الصرفة)، زيادة على التمكّن من مؤهلات السرد علما أن لكل عمل مفاهيمه الفلسفية زيادة على الأمكنة والشوارع والشخصيات وغيرها .

استحضرت الروائية حكايات جدتيها من أمها ذات الأصل الصحراوي ومن أبيها ذات الأصل الندرومي الأندلسي (ابنة الرملين) وما كانتا ترويانه من قصص وأعاجيب وخوارق لا توجد في مكان آخر قامت هي بتخزينه في ذاكرتها لتوظيفه فنيا فيما، علما أنها تشتغل على التجريب الذي تحتاجه رواياتها وأشعارها، بالمقابل انتهجت القراءة الفلسفية التي تدخل عمق الانسان، وسعت لتكون أعمالها أكثر تجذرا وصعوبة تفاديا للسهل الذي يولد البلادة .

توقفت ربيعة جلطي عند الذكاء الاصطناعي الذي اكتشفته من خلال أبنائها وهو ما ظهر في روايتها "قلب الملاك الآلي" و"حنين بالنعناع".

هل هناك رواية فلسفية؟

بدوره، تساءل الروائي مصطفى بن فوضيل "هل هناك رواية فلسفية على غرار الرواية البوليسية والتاريخية وغيرها؟ ليرد أن هناك أفكارا فلسفية توجد في الرواية، فيما أعاب البعض على الكتاب مثل سارتر وكامو  وكافكا ميولاتهم الفلسفية في الرواية الغربية ما جعلها في أزمة وبالتالي أصبحت الروايات رموزا لأفكار الكتاب وايديولوجياتهم ورأى طه حسين ذلك افلاسا وثرثرة بلا فائدة غذ أن الفلسفة أبعدتنا عن لب الرواية.

قال بن فضيل إنه لا يمكن فصل الشخصيات عن الأفكار لكن المهم هي الحبكة بعيدا عن أي طرح أيديولوجي مباشر كي لا تتحول لأداة للدعاية. تحدث أيضا عن الموت الذي اكتشفه صغيرا حين رحيل والده وجده مما أحاله إلى المطلق في رواياته.

توقف المتدخّل عند آخر اصداراته "ترمينوس" التي كان فيها الكتاب هو الراوي وهنا أشار إلى أنه شهد ذات مرة اتلاف مئات الكتب بإحدى الدول الغربية نتيجة الفائض وامتلاء المكتبات فسمع كتابا وكأنه يناجيه لتخليصه من حكم الإعدام، مستحضرا أيضا ما كان من عنف ضد المكتبات عبر التاريخ كمكتبة الإسكندرية وبغداد والجامعة المركزية بالجزائر عشية الاستقلال التي بينت أن الحضارة الغربية تدعي الفوقية وهي في الجوهر بربرية. وقال إنّ لغة هذه الرواية هجينة يغلب عليها أسلوب التهكم والسخرية، موضحا أنه تعاطى مؤخرا الرواية التسجيلية لتوثيق اللحظة بأسلوب سريالي.

تحدث الروائي الحبيب السايح عن فلسفة الكتابة متسائلا عن عدم اشتغال الفلاسفة على الرواية خاصة تلك التي بها حمولة فلسفية، كذلك الحال مع النقاد لا يقتربون من هذه الحمولة، مع الدعوة إلى الخروج من الإطار الإيديولوجي السياسي، مستعرضا الجانب اللساني اللغوي في النص الروائي من حيث التركيب والنحو والبلاغة وغيرها وهذه الحمولة اللغوية مرافقة للحمولة الفلسفية قائلا أن اللغة عنده ورشة يدخلها كحرفي عندما يريد أن يكتب.