"مجازر الاستعمار، الذكرى 80 لمجازر الثامن ماي 1945"
تاريخ أسود تستحي به فرنسا اليوم
			
			                          
            			
				 
	          	                  
                  				
				- 213
 
			   				    			         مريم. ن 			         			    
			    			    
			    			تاريخ أسود تستحي به فرنسا اليوم
تناولت ندوة "مجازر الاستعمار: الذكرى 80 لمجازر الثامن ماي 1945" التي احتضنتها، أوّل أمس، القاعة الكبرى "آسيا جبار" بصالون الكتاب التاريخ، الأسود لفرنسا بالجزائر الذي تجاوز في همجيته ما قد يتصوّره عقل بشر ليظلّ شاهدا على ذاكرة هي بمثابة عهد مع من ضحوا تحفظ لتكون درسا للأجيال.
أدار الندوة البروفيسور محمد القورصو الذي وقف عند تاريخ مجازر ماي 1948 وقال إنّه كان لها دور في مسار الحركة الوطنية وتأثير على اندلاع ثورة نوفمبر، ذاكرا أنّ هذه المجازر هي واحدة من مئات المذابح التي اقترفتها فرنسا على أرض الجزائر، علما أنّ الاستعمار في حد ذاته هو عدوان وجريمة.
للإبادة أشكال
أكّد البروفيسور القورصو أنّ للإبادة عدّة أشكال منها إبادة الأشخاص والجماعات والممتلكات والمقوّمات الفكرية والاجتماعية، لكن، كما أضاف، إرادة الشعوب لا تقهر وتبعث من قبور الشهداء مخاطبة الجنين قبل أن يولد، وبالتالي يتبيّن أنّ الفكر الثوري هو ميراث ينتقل عبر الأجيال.تطرّق المتحدّث إلى الأحداث التي سبقت مجازر 8 ماي أي منذ سنة 1941 حينها برزت بعض علامات الانفجار، ومع انتصار الحلفاء أحسّت فرنسا بالإهانة وأحسّ ديغول بالتهميش منذ اجتماع مالطا في فيفري 1945 فقرّر الدفاع عن بلاده من خلال المحافظة على مستعمراتها لتظلّ فرنسا امبراطورية وهو ما يتجلى في كتاباته منها "امبراطورية الأمل".
من جهة أخرى، شكّل المستوطنون سلطة موازية للسلطة بباريس تتبنى شعار "الجزائر وطن فرنسي والعرب أعداؤنا"، بالمقابل كان الجزائريون في حالة غليان بعدما سئموا العبودية ليتطلّعوا للحرية ولحق المصير مع مطالب أخرى تخصّ المساواة والحقوق وغيرها، اعتبرها الاستعمار مجرّد شعارات ولم يدرك عمقها الذي آمن به الشعب، لكن الجنرال بول كوبار المسؤول عن جرائم 45 رأى حينها أنّ الأوضاع قد تؤول للزوال إذا لم تغيّر فرنسا سياستها وقد لا تتجاوز، محذّرا من انفجار شعبي قد يحدث قبل 10 سنوات بعد مجازر الثامن ماي ويبدو أنّ نوفمبر كان فعلا في الباب يدق بيده الحمراء للثورة وللحرية.
جرائم فرنسا عابرة للزمان والمكان
وصف الدكتور جمال يحياوي جرائم فرنسا بالعابرة للزمان والمكان، وليس في ذلك مبالغة، مؤكّدا أنّ الاحتلال الصهيوني تلميذ يتعلّم من المستعمر الفرنسي شتى فنون البطش والقتل والتهجير، علما أنّ الجرائم بفلسطين اليوم تتم وهي مصوّرة على المباشر في حين أن ما ارتكب في الجزائر كان في صمت فمثلا ليس هناك أكثر من صورتين عن مجازر الثامن ماي، وهكذا كان الحال مع 2840 مجزرة لم تتوقّف منذ 1830 وبدأت قبل سقوط العاصمة ولم تنته بعد مارس 1962 فقد قامت منظمة "أو أس" بالقتل والحرق منها حرق مكتبة الجامعة المركزية في 7 جوان 1962 وقتل مولود فرعون وتنفيذ مخطّط "عملية فاطمة" أي قتل العاملات الجزائريات.
أشار المتحدّث أيضا إلى أنّ الجرائم لم تقتصر على مكان بعينه في الجزائر بل شملت كلّ مكان وزمان، معلّقا بالقول إنّ هناك من يريد أن يحصر الجرائم فقط في العوفية وأولاد رياح والزعاطشة أو أنّ 8 ماي محصور في يوم واحد وفي ثلاث مناطق، وأيضا ربط مجازر 17 أكتوبر 1961 بنهر السين فقط في حين همّشت مناطق أخرى في باريس منها الدائرة 17 وغابات فانسان التي عُلُّق فيها الجزائريون بعد قتلهم وإحراقهم أحياء.
قال الدكتور يحياوي إنّ الجرائم توالت ولم يكن يتصوّرها بشر، سعت لاقتلاع الجزائري من أرضه وجذوره والاعتداء على سيادة بلده المستقل بل مسّت حتى الشجر والحجر كما كان الحال في قانون الغابات ومصادرة الأراضي والتجويع الذي امتدّ لأكثر من قرن، علما أنّ أحد المؤرّخين الأجانب كتب كتابا يخصّ سنة واحدة من الجوع وكان فظيعا (الكارثة الديموغرافية)، ثم استخدام الأسلحة المحرمة (عند دخول الأغواط في 1852) والتفجيرات النووية .جرائم أخرى مست الهوية والأنا الجزائرية في العمق من خلال اللغة ومنع القضاء الإسلامي وقانون الحالة المدنية الجائر (الألقاب مثلا) والمنظومة القانونية عموما بموادها الجائرة.
هناك أيضا جرائم ارتكبت في حقّ الجزائريين خارج بلادهم بعد تهجيرهم ونفيهم ليقتلوا كما في كاليدونيا ومدغشقر وغيرها من مناطق العالم، كذلك الاغتيالات للمناضلين الجزائريين عبر العواصم الأوروبية، ناهيك عن الإعدام بالمقصلة التي حملها معه المستعمر من مارسيليا مباشرة لمنطقة القبائل وبالضبط لعزازقة لإعدام البطل البشير.
نهب التراث جريمة أخرى
تطرّق الدكتور يحياوي أيضا لجرائم نهب التراث المادي وغير المادي ابتداء من جوان 1830 وحتى جوان 1962، حين هربت أطنان من الكتب مقترحا استرجاعها ومعلّقا بسخرية "لولا ما نهب من الجزائر وبعض المستعمرات لأغلقت متاحف فرنسا أبوابها"، كما استحضر المتحدّث حادثة محاكمة قطعة من حجر سقطت على رأس جندي فرنسي وحكم عليها بالقيد بسلاسل عرفت "بالحجرة المباسية" في منطقة الجلفة وعند زيارة وزير المجاهدين الراحل شيبوط للمنطقة أزال عنها السلاسل مخاطبا إياه تحرّرت.
الجنوب الجزائري دفع ثمن صموده
بدوره، تناول الدكتور لحسن الزغيدي بعض جرائم الاحتلال الفرنسي خاصة بمنطقة الجنوب الجزائري مؤكّدا أنّها كانت ممنهجة أقرّتها القيادة الفرنسية للسيطرة على الجزائريين، وهو ما جاء في توصيات وزير الحربية الفرنسي حين الاحتلال "لابدّ من إبادة السكان العرب بالمجازر والحرائق لتركيز هيمنتنا"، كما استعرض المتحدّث أقوال جنرالات فرنسا المجرمين خلال القرن الـ19 والـ20 منهم سانتارنو الذي افتخر بحرقه 200 قرية وكذلك دونياك في "رسائل جندي" الذي أقرّ "همّنا الوحيد التخريب والقتل والحرق والقضاء على كلّ من تجاوز من الفتيان الـ15 سنة وخطف الأطفال وسبي النساء، فيما قال آخرون أنه لا يجب أن ينبت زرع حيث يضع الجيش الفرنسي قدمه.