تواصل العروض المتنافسة بمهرجان سيدي بلعباس

تأمّل في الطبيعة البشرية وخوض في همومها

تأمّل في الطبيعة البشرية وخوض في همومها
  • القراءات: 466
مبعوثة "المساء" إلى سيدي بلعباس: دليلة مالك مبعوثة "المساء" إلى سيدي بلعباس: دليلة مالك

عُرضت في اليوم الثالث من منافسة المهرجان المحلي الـ13 للمسرح المحترف في سيدي بلعباس، ثلاثة أعمال هي "رسالة مريض" لجمعية "الإشعاع للفن الدرامي" من مليانة، و«ناكر لحسان" لجمعية "حركة مسرح" القليعة، و«بلازما" لجمعية "محمد بن محمد" للمسرح من مستغانم، والتي خاضت في موضوع الطبيعة البشرية وتناقضاتها، وتناولتها بتأمّل عميق.

شهد اليوم الثالث من المهرجان، أوّل العروض صباحا، بتقديم مسرحية "رسالة مريض" للمخرج عبد السلام محمد، الذي كتب نصه أيضا، وتخوض قصته في أحوال الناس وانشغالاتهم على اختلافها، على أساس أنّ هؤلاء مرضى وكلّ واحد يريد أن يبعث بهمومه في رسالة.

يبدأ العرض بحركات ظريفة، في لوحات كوريغرافية، تتبادل شخصيات المسرحية ملابسهم، بهدف شدّ الجمهور وتشويقهم لمتابعة الأحداث، دون أن يشير إلى من هو المريض في الحكاية، أو يريد أن يخبرنا أنّ الجميع يمكنهم التعرّض للمرض، ثم سرعان ما يظهر الشخص المريض حاملا رسالة يودعها عند الطبيب، وهو ما قد يمثّل طلبات كلّ فئات المجتمع وليس المريض فقط الذي يحتاج إلى علاج.

وفي ديكور بسيط، غير متكلّف يوحي بقاعة علاج في عيادة طبية، يحاول "مريض" أن يودع رسالته الطبية، ليراها الطبيب المعالج، تتطوّر الأحداث وتختلط على المتفرّج، عن فحوى الرسالة، التي حملت رمزية عميقة، هل تصل هموم الناس إلى الجهات المعنية بحلها؟.

بالنسبة لمسرحية "ناكر لحسان" التي كتبها وأخرجها يوسف تعوينت، فهي مسرحية كوميدية مأساوية تتناول موضوع الازدواجية بين العالمين، الفكري والمادي، فكرته مستلهمة من نصّ "أغنية البجع" للكاتب المسرحي الروسي أنطون تشيخوف.

تدور أحداث المسرحية خلال 60 دقيقة وتحكي قصة "لوز"، شاعر وكاتب مسرحي ومخرج يعاني من ضيق الرزق، يقوم شقيقه "البحري"، بمنعه من قضاء الليلة في المسرح خلال فترة من الاضطرابات. يتدخل "عمار دراهم"، الحارس لمساعدة "لوز" عن طريق إخفائه في إحدى غرف المسرح بشرط أن يكتب له رسالة غرامية لحبيبته.

و«ناكر لحسان" هي نسخة معدّلة ومحسّنة من عرض تم تقديمه في عام 2013 بإنتاج حركة المسرح للقليعة، التي حازت على العديد من الجوائز منذ تأسيسها في عام 1995.

وانتهى اليوم بعرض أوّل لمسرحية "بلازما" للمخرج سعيد زكريا، وقدّمت رحلة عميقة في تعقيدات العلاقات الإنسانية، ففي 65 دقيقة، ينقل المشاهد إلى عالم المعاناة الداخلية لـ«سلطان"، رجل يواجه اكتشافًا مؤلمًا حول خيانة زوجته.

وتقترب المسرحية من ردود فعل "سلطان" تجاه هذه الخيانة، إذ يتردّد بين رغبة الانتقام ورغبة إعادة بناء حياته المحطّمة، تخلق الثنائية الداخلية للشخصية توترًا قابلاً للملاحظة، يتركه سجينا لعاطفة مدمّرة، وتتناول المسرحية في سياق آخر، موضوعات الخيانة والصمود والبحث عن الذات.

واستخدم المخرج "البلازما" لتكون رمزا لعنصر أساسي في السرد، وأعطاه بُعدًا مثيرًا للفضول للقصة، يصبح هذا العنصر الغامض خيط السرد، يكشف عن روابط عميقة بين الشخصيات ويستكشف الألغاز التي تتجاوز طبيعتها الفيزيائية.

تثبت "بلازما" أنّها عمل مسرحي، يتّسم بحساسية جوانب العلاقات البشرية الأكثر ظلمة وإشراقًا. تقدّم المسرحية تأمّلاً عميقًا حول الخيانة والصمود والشجاعة اللازمة لاتّخاذ القرارات الشخصية، علاوة إلى ذلك قدّمت المسرحية تحية لفلسطين، في أعقاب الهجمات التي تتعرّض لها غزة حاليًا.

كأوّل تجربة له في الإخراج المسرحي، نجح صالح زكريا في تقديم عرض مقبول، ومع ذلك، هناك بعض النقائص، بما في ذلك المبالغات في الحوارات التي تطول أحيانًا بشكل غير مبرّر، بالإضافة إلى ذلك، يبدو إيقاع العرض مملًا في بعض الأحيان، ويُظهر نقصا في الحيوية بين الممثلين.

وظهرت مشكلة أخرى، تمثلت في صعوبة وصول أصوات الممثلين إلى القاعة، ما ترك الجمهور يشعر بالإحباط، محرومًا من فهم كامل للقصة أو فهم بعض الجوانب الرئيسية للمسرحية بسبب نقل الحوارات الضعيف.

اعتمدت الديكورات، التي وقعها سعيد زكريا وإلياس حراشيف، على البساطة وإضاءة باهتة، ليتناسب مع حبك القصة، لكنها لم تكن بذلك المستوى الذي يدعم البنية الدرامية ككل، يشكّل الديكور غرفة جلوس من خلال ثلاثة جدران مميزة: إحداها مدفأة، والأخرى مزيّنة بلوحات وصور، في حين يحمل الجدار الثالث نافذة.