تواصُل معرض بوستة وإسياخم بالمعهد الفرنسي

بين الحيرة والحزن.. اِختار الإنسان الأمل

بين الحيرة والحزن.. اِختار الإنسان الأمل
  • 1144
لطيفة داريب لطيفة داريب

اختار الفنانان أغيلاس إسياخم ومحمد بوستة، "الإنسان" لكي يكون في صدارة معرضهما المشترك بالمعهد الفرنسي بالجزائر الذي تدوم فعالياته إلى غاية 10 جويلية المقبل، حيث تمكّنا من التغلغل في أعماقه، والخروج إلينا ببورتريهات تُظهر الإنسان في حالته المرهقة والحزينة، ومع ذلك كلُّه عزيمة في عدم الاستسلام.

يُخيَّل لك وأنت تزور معرض أغيلاس إسياخم ومحمد بوستة، أنك اقتحمت عالما يتشكل من أناس ينظرون إليك بحزن، مثقلين بهموم الحياة؛ الحيرة بادية على محياهم، والوهن عنوان حياتهم، وتساؤلات كثيرة تزعزع خاطرهم.

ويتشابه الأسلوب الفني المتعمد من الفنانين، ظاهريا على الأقل، وحتى من ناحية موضوع لوحاتهما، إلا أنهما استعملا تقنيات مختلفة، وحتى ألوانا مغايرة؛ فبوستة اختار رسم المرأة تحديدا، مستعملا في ذلك ألوانا مختلفة، ومعتمدا على تقنية السكين. أما إسياخم فقد رسم الرجل والمرأة، واعتمد، فقط، على اللونين الأبيض والأسود، مستعملا قلم الفحم، والفحم، والحجرة السوداء. وهكذا رسم محمد المرأة وكأنها مثقلة بمسؤوليات قد تفوق طاقتها في زمن لم تعد فيه تلك المدلّلة، بل أصبحت تحمل مسؤولية الرجال، وفي نفس الوقت تحاول جاهدة الحفاظ على أنوثتها. ورسم محمد لوحة "فوضى نفسية"، تظهر فيها امرأة تضع يدها على خدّها وفوق رأسها فولار. كما يظهر أنها تعاني من تعب نفسي ومشاكل لا حصر لها.

لوحة أخرى بعنوان "الانسجام الروحي" لامرأة شابة، هي الأخرى تبدو الحيرة على وجهها رغم وجود زهرة بالقرب منها، قد تكون عبارة عن أمل في حياة لا يمكن أن تخلو منه.

ودائما مع الأمل في لوحة "تعب ملوّن"، رسم محمد امرأة بعينين ذابلتين، تحطّ رأسها على طاولة تزيّنها مزهرية، بينما رسم الفنان في لوحة أخرى، عجوزا لا تظهر ملامحها، حاملة على ظهرها ثقل الحياة، ومع ذلك يبقى المستقبل الجميل يلوح في الأفق، وهو ما يظهر في لوحة "نظرة نحو المستقبل"، وهذا لا يمنع من تذكّر الذكريات في لوحة "ذكريات قديمة"، التي رسم فيها محمد، امرأة بعينين زرقاوين.

وها هي امرأة أخرى تغطي وجهها بهاتفها النقّال في لوحة "عالم خاص". أمّا لوحة "روح بريئة" فهي لامرأة جميلة تظهر ملامحها بدقة، في حين رسم الفنان امرأة غاضبة في لوحة "شعور قديم".

وهكذا رسم الفنان خريج مدرسة الفنون الجميلة بعزازقة، المرأة في حالاتها المختلفة، لكنّها تجتمع في الحزن، وربما أيضا الملل والخوف من المستقبل المجهول. كما رسم ملامحها برقة حتى تبرز أنوثتها، مستعملا في ذلك تقنية السكين، ومعتمدا على ألوان فاتحة، مثل الأصفر والأزرق والأخضر.

أما المدرسة التي يجد فيها نفسه أكثر فهي المدرسة التعبيرية بكلّ جدارة. ومن جهته، استعمل أغيلاس اسياخم في معرضه هذا، الفحم، وقلم الفحم، والحجرة السوداء؛ لكي يعبّر بصدق أكبر، عن صراع الإنسان ضدّ أهوال الحياة، كالغريق الذي يحاول أن يتمسّك بأيّ قشة كي ينجو من الموت، فهل يستطيع تحقيق ذلك؟..

لم يغرق اسياخم في مستنقع الأحزان، بل استنطقها في لوحاته بكل فنية وقوّة، واضعا فيها أجزاء من روحه، حتى تبدو أكثر مصداقية. ومنح بعض بورتريهاته فضاء أكبر من خلال لوحات من الحجم الكبير، لأنّه شعر بحاجتها إلى ذلك، وكأنّها اختنقت، فطلبت مساحة أكبر، وكان لها ذلك.

وكمثال عنها، نجد لوحة "النسيان" التي رسم فيها هيئة إنسان يُخيّل لنا أنّه ينظر إلينا رغم أن ملامحه غير واضحة.

ورسم أغيلاس لوحة "تحوّلات"، التي تظهر فيها ملامح وجه غير مبيّنة؛ وكأنها في وضعية تحوّل من حال إلى حال آخر.

أما لوحة "زوالي" فرسم فيها الفنان رجلا مبتسما وكأنه يقول للحياة "افعلي ما يحلو لك، سآخذ منك الحلو، وسأتذوق المرّ أيضا؛ لأنني أتقبلك كما أنت". والجميل في هذه اللوحة استعمال الفنان اللون الأمغر، وهو ما يخرج عن عادته.

ولم يرسم أغيلاس البورتريهات وحسب، بل رسم أيضا لوحة "منظر طبيعي"، ومع ذلك لم يتخل فيها عن اللون الأسود، بينما يشارك في هذه الفعالية بأربع منحوتات، وهي "إدمان"، و«تحوّل"، و«ورم خبيث1" (ميتستاز)، و«ورم خبيث2".

وقد حاول أغيلاس خلال منحوتته "إدمان"، تسليط الضوء على ظاهرة الإدمان على الخمر، استعمل فيها الخشب وقارورة زجاجية. أما منحوتتا "ميتستاز" فأنجزها ترحما على موتى مرض السرطان.