في "ظلّ امرأة حافية"
بوستة تطرح سؤال الهوية وتُبرز صوت المرأة القروية
- 205
عبد السلام بزاعي
وقّعت الشاعرة نعيمة بوستة ديوانها الشعري الثاني الموسوم بـ "ظل امرأة حافية"، بالمكتبة العمومية للمطالعة بـتكوت في باتنة، ضمن النشاطات الثقافية والفكرية الداعمة للتظاهرة الوطنية "منتدى الكتاب"، وفي إطار العدد الثالث والخمسين من سلسلة "كاتب وكتاب".
وصدر الديوان عن دار "ساجد" للنشر والتوزيع (بسكرة)، وجاء في 74 صفحة، ضمّت 18 نصاً شعرياً، من بينها نصّ واحد باللغة الشاوية بعنوان "إيلومان" (اللوم). ويؤسّس العمل لمجموعة شعرية تنشغل بقضايا المرأة والإنسان من زاوية وجودية واجتماعية، بلغة رمزية عميقة، تجعل من المرأة مركزاً دلالياً يجمع بين الضعف والقوة، وبين الهشاشة والصمود.
ويعالج الديوان معاناة المرأة اليومية من "عدم الاستقرار العاطفي والاجتماعي" إلى "مقاومة الحروب والثورات"، خاصة في السياقين الجزائري والفلسطيني، متجاوزاً حدود التجربة الذاتية إلى أفق إنساني كوني، حيث يغدو الشعر أداةً للتأمل في الوجود والهوية. وأكّدت الشاعرة أنّ العمل لا يكتفي بسرد التجارب الفردية، بل يبني "معماراً فلسفياً – شعرياً" يستند إلى مفهوم "الظل" ؛ بوصفه رمزاً للغياب المادي، والحضور الروحي، مستلهماً مرجعيات أدبية عربية وغربية من أبي نواس إلى أدونيس، ومن ريلكه إلى سيمون دي بوفوار.
وفي قراءتها للبنية الرمزية، أوضحت بوستة أنّ "الظل" يحيل إلى ما هو متوارٍ أو ناقص الحضور، في مقابل "المرأة" التي تشكّل أيقونة إنسانية، وجمالية، وثقافية، بينما تأتي مفردة "حافية" لتشير إلى العُري، والفقد، والحاجة، ولكن أيضاً إلى "التحرّر، والعودة إلى الأصالة" وهو ما يخلق جدلية دلالية قائمة على المفارقة: ظل (غياب) + امرأة (أصل وقوة) + حافية (فقد وتحرّر).
ويكشف المتصفّح للديوان عن نفس شعري تراجيدي، مشبّع بالإحالات على واقع إنساني مرير، تُقابله ذات شاعرة تقاوم عبر اللغة، وتُحوّل الألم إلى طاقة جمالية. وقد اشتغلت الشاعرة على سيميولوجيا الصورة، مستحضرة مفاهيم "فردينان دي سوسير" في علاقة الدال بالمدلول. وجعلت من غلاف الديوان مدخلاً بصرياً، يعمّق دلالات النص.
وعلى المستوى الفني، وظّفت بوستة الأساليب الإنشائية، ولم تُهمل علم العروض، حيث كتبت قصائدها على بحور متعددة؛ منها الطويل، والكامل، والمتقارب، والبسيط غير المجزوء، ضمن سياقات حداثية، وبأسلوب حواري يخلق إيقاعاً موسيقياً حزيناً، تتجاور فيه ثيمات الألم، والفرح، والحب والحنين. كما منحت النصّ ديناميكية درامية تُشرك القارئ في التجربة الوجدانية. وتفتح المعاناة على أفق تداولي، يُحقق التواصل بين المرسل والمتلقي، في تأمّل وجودي عميق لمعنى الاغتراب الإنساني، حيث لا يظهر الإنسان – ولا المرأة – إلا كظل.
وفي حديثها، عبّرت الشاعرة عن فخرها بانتمائها إلى "الريف الأوراسي"، مستلهمة طقوسه الأمازيغية، وذاكرته العميقة، مؤكّدة أنّ البيئة تشكّل رافداً أساسياً في تشكيل وعي الشاعر وخياله. كما شدّدت على أنّ الأدب النسوي الجزائري حقّق حضوراً لافتاً، مضيفاً إلى الثقافة بعداً إنسانياً جديداً. يُذكر أنّ نعيمة بوستة أصدرت ديوانها الأول "إرهاصات قلب متعب" سنة 2017 عن دار "الماهر" للنشر بسطيف. وشاركت في عدة ملتقيات وطنية ودولية. كما شاركت في الطبعتين الأخيرتين من المعرض الدولي للكتاب بالجزائر، إلى جانب اشتغالها بالتصوير الفوتوغرافي، ومجالات إبداعية أخرى.