بعد تألقه بـ"التقطير" و"الشهداء"
بوزيد يخلد فانون في طابع بريدي جديد

- 178

كشف النحات والفنان عبد الرزاق بوزيد لـ"المساء"، عن إنجازه طابعا بريديا جديدا، تخليدا للذكرى المئوية لميلاد المفكر والمناضل الكبير فرانس فانون (1925-1961)، ليكون بذلك الطابع رقم 12 في رصيده الفني.
الفنان بوزيد، الذي تخرج من المدرسة الجهوية للفنون الجميلة بملحقة سطيف، التابعة لباتنة، درس الرسم مادة أساسية، وتلقى تكوينا في الزخرفة والنحت، قبل أن يتخصص في فن الهندسة الداخلية. وبعد تخرجه، مارس الرسم الزيتي والنحت، ليتجه تدريجيا نحو النحت الذي وجد فيه راحته الفنية، دون أن يمنعه ذلك من إنجاز بورتريهات مرسومة، حسب الطلب، من حين لآخر.
ويشير بوزيد، إلى أن دخوله مجال الطوابع البريدية، كان وليد الصدفة، بعدما اقترح عليه أحد أصدقائه، وهو هاوٍ جمع الطوابع ومشارك في تظاهرات وطنية ودولية، أن يجرب المشاركة في مسابقة أطلقتها مؤسسة "بريد الجزائر". وهكذا، وجد نفسه سنة 2024، ينجز أولى مجموعاته البريدية، التي لاقت صدى طيبا.
من "التقطير" إلى "الشهداء"
في أولى تجاربه، أنجز بوزيد أربعة طوابع بريدية، جسدت مراحل تقطير ماء زهر البرتقال، وهي ممارسة تقليدية جزائرية، ارتبطت بالتراث المادي واللامادي. وبعد أشهر قليلة، عاد بتجربة أكثر أهمية، تمثلت في إنجاز سبعة طوابع بريدية عن شهداء الثورة التحريرية، صدرت في أول نوفمبر من نفس السنة، تكريما لرجالات الاستقلال.
وضمت المجموعة أسماء خالدة في الذاكرة الوطنية: زيان عاشور (1919-1956)، شايب دزاير (1938-1954)، رويبح حسين (1922-1960)، باجي مختار (1919-1954)، قرين بلقاسم (1927-1954)، عبد الرحمان ميرة (1922-1959) وبن عبد المالك رمضان (1928-1954). وبذلك، برز بوزيد كأحد الوجوه الشابة التي أضافت روحا فنية إلى هذا المجال، حيث يجتمع فيه التوثيق التاريخي بالبعد الجمالي.
بين النحت والطابع
أكد الفنان، أن دخوله مجال الطوابع، لم يبعده عن النحت، بل أضاف بعدا جديدا لمساره. وقال في حديثه لـ"المساء": "أحب الرسم والنحت، لكن النحت هو راحتي الحقيقية. أما الطوابع فهي تجربة ممتعة، فيها الجانب الفني، وأيضا مردود مادي يشجع على المواصلة". وأضاف أنه يشتغل حاليا على مجموعة من الأعمال النحتية المتنوعة، بعضها يستلهم من التراث الجزائري، وبعضها الآخر يعالج قضايا اجتماعية معاصرة، موضحا أنه يطمح إلى إقامة معرض خاص بها فور اكتمالها، بالتنسيق مع قاعات عرض بالعاصمة.
فانون.. صوت المستضعفين
كرس بوزيد عمله الجديد لفرانس فانون، الرجل الذي يعد من أبرز رموز الفكر المناهض للاستعمار في القرن العشرين. وُلد فانون يوم 20 جويلية 1925 بجزيرة المارتينيك، والتحق شابا بـ"قوات فرنسا الحرة" خلال الحرب العالمية الثانية. بعد الحرب، تابع دراسته في الطب النفسي بفرنسا، حيث تعرف على الفلسفة الوجودية والتيارات الفكرية الجديدة، قبل أن يتوجه إلى الجزائر سنة 1953، للعمل طبيبا نفسيا في مستشفى البليدة-"جوينفيل".
في الجزائر، عاش فانون تجربة مباشرة مع جرائم الاستعمار الفرنسي، حيث عالج ضحايا التعذيب والجنود الفرنسيين على حد سواء. لكن وعيه السياسي سرعان ما قاده إلى الانخراط في صفوف جبهة التحرير الوطني، فاستقال من عمله الرسمي، وكرس جهوده لخدمة القضية الجزائرية. انتقل لاحقا إلى تونس، حيث عمل في صحيفة "المجاهد"، كما تولى مهمة دبلوماسية بصفته سفيرا للحكومة الجزائرية المؤقتة في غانا.
ترك فانون أثرا فكريا عميقا من خلال كتاباته، خاصة "بشرة سوداء، أقنعة بيضاء" و"معذبو الأرض"، حيث حلل آثار الاستعمار على الإنسان المستعمَر، ودعا إلى ثورة شاملة تفضي إلى بناء إنسان جديد محرر من عقد الماضي. وقد اعتبره العديد من الباحثين "ضمير الشعوب المستعمَرة" وصوت المستضعفين في العالم.
توفي فانون في ديسمبر 1961، عن عمر لم يتجاوز 36 عاما، ودُفن بمقبرة "الشهداء" ببني ونيف، على الحدود الجزائرية المغربية، ليبقى اسمه لصيقا بالثورة الجزائرية وذاكرة التحرر العالمي.
تكريم عبر الطابع
وبإصدار الطابع الجديد في مئوية ميلاد فانون، يساهم الفنان عبد الرزاق بوزيد في إبراز اسم ارتبط بالحرية والفكر التحرري، بينما يواصل "بريد الجزائر" عبر هذه المبادرة، توثيق الرموز التي صنعت تاريخ الجزائر وخلدت كفاحها، لتبقى الطوابع البريدية جسورا صغيرة، تحمل بين طياتها ذاكرة وطنية وروحا إنسانية كبيرة.