تطلّب جمعها 12 سنة

بن يعيش يستعرض "سطيف.. المقبرة الجماعية"

بن يعيش يستعرض "سطيف.. المقبرة الجماعية"
  • القراءات: 1489
 ق.ث ق.ث

 ساهم الصحافي كمال بن يعيش في مؤلفه "سطيف.. القبر الجماعي" في كشف العديد من ضحايا 8 ماي 1945 المجهولين، مستندا على عدد من الشهادات الاستثنائية والحصرية للناجين من هذه الإبادة الجماعية التي مرت عليها أكثر من 70 سنة، وتشمل الصفحات الـ336 من هذا المؤلف الذي كتب مقدمته المؤرخ الفرنسي جيل مانسرون، شهادات تطلّب جمعها 12 سنة من البحث والتنقّل إلى قرى المنطقة، للتأكيد على أنّ هذه المذابح لم تقتصر على المدن مثل سطيف، قالمة وخراطة.

استعاد الكاتب في الفصول الأولى من هذا العمل حول التاريخ الصادر عن منشورات "الإبريز"، صيرورة الأحداث التي ميّزت ذلك "الثلاثاء الأسود" من تاريخ 8 ماي 1945، حيث تحوّلت مظاهرات سلمية إلى حمام من الدماء في شوارع مدينة سطيف، مستندا في ذلك على شهادات حية ووثائق تاريخية وقصاصات جرائد. 

التقى المؤلف بالناجين من هذه المجزرة في العديد من قرى المنطقة، منها الأوريسيا (على بعد 10 كلم من سطيف)، حيث قامت قوات الاحتلال وميليشيات المعمرين باعتقال وقتل عشرات الجزائريين، من ضمنهم الكثير من مناضلي حزب الشعب، كما أكده في شهادته السيد أحمد بوضياف الذي أصبح لاحقا مناضلا في جبهة التحرير الوطني. واغتنمت قوات الاستعمار الفوضى التي تبعت تلك الأحداث وقامت بقتل العديد من مسؤولي فروع حزب الشعب من سكان قرية "الموان" التي تبعد عن سطيف بـ16 كلم، حسب شهادة السيد مختار فيرا الذي شهد قتل والده وأعمامه وحرق قريته، وتنقل شهادات أخرى من قرية "عين عباس" التي عاشت أعمال عنف أسفرت عن قتل 84 مناضلا تعوّدوا على الالتقاء بمقهى "نادي عباس" (نادي رفاق فرحات عباس)، وأجبر بعض الناجين من المجزرة على الهجرة.  

ومن بين المناطق الأخرى التي عرفت أعمال تقتيل وعنف "بوعنداس" (70 كلم شمال سطيف)، حيث أحصي فيها قتل 96 شخصا في يوم واحد، كما اقترفت بها جرائم أخرى بشعة، وتحدّثت أيضا الشهادات عن أعمال عنف وتنكيل نفذها جيش الاستعمار على طريق بجاية، حيث نقل الشهود صورة بشعة عن أعمال تعذيب وتنكيل مثل "صلب" الضحايا وتسليم آخرين للكلاب لتمزيق أجسادها حتى الموت. 

يكشف هذا التحقيق عن حدوث عدة مواجهات بين الجزائريين والكولون، على خلفية أحداث سطيف التي تبعتها حملة انتقام واسعة قام بها الجيش الاستعماري، أسفرت عن سقوط آلاف الضحايا الجزائريين في كل من العلمة وخراطة وعين الكبيرة. 

ذكر المؤلّف استنادا إلى تقارير القنصل البريطاني بالعاصمة الجزائر، جون إيريك ماك لين كارفل، أنّه تمّ خلال حملة قمع السكان استعمال الطائرات العسكرية التي شنّت أكثر من 300 غارة على مدى ستة أيام، أسفرت عن "حرق" عدة قرى،  مما أجبر السكان على الهروب إلى المناطق الجبلية. 

تطرق الكاتب كمال بن يعيش من جهة أخرى، إلى قضية اعتقال وسجن 17 طالبا ثانويا جزائريا بسطيف، من بينهم رئيس الحكومة الأسبق بلعيد عبد السلام ورئيس تحرير جريدة "الجزائر الجمهورية" عبد الحميد بن زين وكاتب ياسين الذين شاركوا في مظاهرات 8 ماي قبل توقيفهم وإيداعهم السجن. 

قدّم المؤلّف في ملحق الكتاب -الذي صدر بمناسبة صالون الجزائر الدولي الـ21 للكتاب- قائمة بأسماء 150 من ضحايا 8 ماي بمناطق قريبة من مدينة سطيف لم يسبق ذكرهم، مرفوقة بوثائق وقصاصات الجرائد الصادرة في تلك الفترة تؤكد الشهادات المذكورة في الكتاب.