معرض طيب بن عباس بختي برواق عائشة حداد

انفجار الأكوان ومسارات نحو العمق الغائر

انفجار الأكوان ومسارات نحو العمق الغائر
  • القراءات: 772
مريم. ن مريم. ن

يستقبل رواق عائشة حداد، إلى غاية 17 ماي الجاري، معرض الفنان التشكيلي طيب بن عباس يختي، الذي يختزل فيه عوالم الملكوت المزدحم بالألوان والأنوار التي قام هو برصدها بحركة ثابتة وبطيئة لتترائ للعيان ككائن حي تختلف ملامحه وتراكيبه من لوحة إلى أخرى. يعتبر المعرض في أساسه مجموعة أحاسيس وانفعالات تولدت عبر لحظات زمنية مختلفة فهي نختلف من حيث الموضوع وحدة الانفعال لكنها تبدو جميعها كنوع من الانفجار الذي يرفض أن يبقى حبيس الوجدان وأعماق النفس التي لا تهدأ زوابعها كلما رأت ما يثيرها. يتضمن المعرض ذو الـ22 لوحة كبيرة مجموعة من العناوين التي توجه الزائر صوبا للعمق كي لا يضيع في تفاصيل الحوافي التي ماهي إلا انعكاس لما يدور في المركز فنجد "الإفريقية والصدمة والغضب والحزن والكسر والفارس والتاسيلبي والحط العربي" وغيرها من العناوين، وعبر كل ذلك نلمس الفرح والحزن والثورة والسكينة وكل ما لديه علاقة بأحاسيس البشر التي فطروا عليها منذ بدأ الخليقة والاختلاف الوحيد هو الإطار الفني الذي يتماشى وكل موضوع أو بالأحرى كل إحساس.

تختلف الأشكال وتتحول من الخطوط إلى الدوائر إلى المكعبات وغيرها لترصد في الأخير شعورا ما أو قصة تحكيها الألوان بلغة الصدق والتصوير البطيء، وفيما يتعلق بالألوان فإنها تجاري الموضوع الذي تحويه اللوحة بمعنى أنها تهدأ في السكينة وتنفجر في الغضب ويغلفها الزهو في لحظات السعادة. يتواصل الحضور الفعال للألوان المحتارة بحكمة من أزرق ووردي وأحضر وبرتقالي وغالبا ما ترسم بالألوان الحية الأزهار التي يوحي شكلها وكأنها من كوكب آخر له طبيعته الساحرة، فيما تجتمع هذه الزهور في لوحات أخرى على شكل باقات أو أسراب عصافير وكأنها تملك قدرة خارقة على التحول العجيب. تتقدم الألوان أحيانا باتجاه السواد لتروي موضوعا آخر يتجاوز العالم الجميل إلى آخر تنغصه المكنونات القاتمة، كما تظهر أشكال تشبه الهياكل العظمية ذات الشكل الغريب تماما ولو كانت مخلوقات خارقة لم ترسم بل حطت على اللوحة من عل ليراها الجمهور رأي العين بعدما سمع عن عالمها في الأساطير والحكايات الشعبية التي كانت ترعب الصغار والكبار والمدهش أن هذا الظهور يتم في فضاء قاتم كالليل تماما وهو عالم تلك الكائنات التي ارتبطت به دوما. هناك أيضا الأشكال الهندسية المتداخلة مع الألوان في كيان واحد وغالبا ما توحي بالتسلسل في الموضوع والاتجاه معا.

تبرز في لوحات أخرى خلجات الخوف والرعشة التي لا تجيد ترجمتها سوى الألوان وطبعا التقنيات المختلطة والتي تؤكد مستوى تكوين هذا الفنان المتحصل على شهادة دراسات عليا في الفن التشكيلي وقد أهلته تجربته أيضا إلى استغلال تراثنا الوطني بما في ذلك تراث منطقة التاسيلي الذي أبدع في تصويره من خلال إيحاءات الألوان وكذا في الخط العربي الذي تخلص من ثوبه التقليدي. مواضيع أخرى لا تنتنهي منها الفنية كالآلات الموسيقية والأماكن كالمدن الجزائرية والرقص وبعض التقاليد التي أعطاها روحا تشكيلية راقية. من جهة أخرى، تتميز لوحات هذا الفنان بـ"البريستيج" نظرا لرقيها وقيمتها العالية التي تعكس الخبرة والتمكن وتحاول المزج بين الحياة الواقعية والافتراضية والصعود نحو عوالم الأكوان الرحبة التي لها نظامها وأنوارها وسحرها الإلهي. أغلب اللوحات من الحجم الكبير وتبدو أحيانا وكأنها شاشات عملاقة ترصد التفاصيل على الرغم من متاهات بعضها لتجذب الزائر وتجعله يبحث في مسارها وإلى أين ستتجه به، ليقف عند الحدود أي من الأطراف نحو العمق الذي يشبه أحيانا الدوامة لكنه يرجع بسلام ليواصل الرحلة في اللوحة المجاورة التي تأخذ بيده نحو بر النجاة بموضوع أخف وبمسار أسهل.