الشاعر علي مغازي بمناسبة صدور أول رواية له:

انتقالي من الشعر إلى الرواية كان تلقائيا

انتقالي من الشعر إلى الرواية كان تلقائيا
  • القراءات: 1394
❊ حاورته: لطيفة داريب ❊ حاورته: لطيفة داريب

صدر للشاعر علي مغازي أول عمل روائي له بعنوان ستة عشر من عشرين بعد أن جال وصال في الشعر، كما كتب مجموعات قصصية، مما شكّل فرصة لــ المساء للاقتراب منه وطرح أسئلة عديدة عن هذه النقلة الجميلة، وعن واقع المرأة في المجتمع وإسقاطه على كتاباته، إضافة إلى رأيه في مواضيع أخرى، خاصة أنّه نشط جدا على موقع فيسبوك، فكان هذا الحوار.

انتقالك المفاجئ من الشعر إلى الرواية، هل جاء بشكل عفوي أم هو انتقال مدروس ومخطط له مسبقا؟

❊❊ في الواقع لم يكن انتقالا مفاجئا، بل تلقائيا.. جاء بدون تخطيط مسبق، وتطور مع الوقت. سأخبرك بشيء متعلق بقصتي مع رواية ستة عشر من عشرين. ففي سنة 2004 حدثتني شابة جزائرية عن مواقف وقصص غير مترابطة عاشتها خلال طفولتها حتى سن الرشد، وكيف عانت داخل عائلة مفككة، وكانت في كل مرة تلح عليّ أن أكتب قصتها، بينما ـ من جهتي ـ لم أتحمس للفكرة مطلقا. كنت وقتها أعمل في محل للوجبات الخفيفة، وكانت هي تعمل معي على فترات متقطعة، ثم حدث لاحقا أن اقترحت عليّ فكرة، قالت لي: أنا سأكتب قصتي باللغة التي أفهمها.. وأنت.. ما عليك سوى إعادة صياغتها. وأعطتني أوراقا كانت دوّنتها بقلم أحمر، وبالفعل جربت أن أترجم كلامها إلى الفصحى. حاولت، وكنت في كل مرة أفشل، وهكذا تراءى أمامي أهم سؤال، وهو سبب كل هذا التحول في علاقتي مع الكتابة، حتى إنه قادني فيما بعد ـ وعلى مراحل طويلة ـ لأن أكون ضيفك في هذا الحوار. وأتحدث عن رواية ستة عشر من عشرين، والسؤال كان كالآتي: لماذا تفشل لغة الأدب في نقل هواجس الناس وأحاديثهم وهمومهم وحكاياتهم؟. لن أستمر في شرح تفاصيل هذه القصة، لكنني سأذكر دائما أن تلك الشابة سونيا، والتي هي ذاتها بطلة روايتي، قد علمتني أن أكتب بحرية، وأستمع للناس بروح من المحبة، وأدوّن قصصهم البسيطة وأحوّلها إلى أعمال أدبية راقية، وهذا ما أدعي أنني نجحت فيه في انتظار رأي القارئ..

لطالما كانت المرأة محورا رئيسا تناولته كتاباتك السابقة في الشعر والقصة وحتى مدوناتك على فيسبوك، هل اختيارك صونيا بطلة لروايتك، تأكيد آخر على هذه المحورية؟

❊❊ قلت فيما سبق إن الأنوثة قيمة جمالية، بينما الرجولة قيمة أخلاقية، وفسرت هذا بالقول: (إذا ربينا طفلا على محبّة الجمال سنضمنُ أنه لن ينزع أوراقا من الشجرة ليتسلى بإتلافها خلال عودته من المدرسة، وإذا ربيناه على الأخلاق فيمكنه أن يحرق الشجرة أو يقطعها دفاعا عن أخلاق أقل قيمة من الشجرة ذاتها). إن العالم حتى الآن يبدو غير مستعد لاستقبال النساء، وهذا شيء مؤلم؛ الحروب في كل مكان.. العنف يستشري في شوارع المدن حتى المتحضرة منها، واليتم يفتِك بأرواح الناس.. إننا بحاجة إلى فيضان من الأمومة يسقي الأرض الظمأى.. من أجل هذا أنا أكتب، ولعلي في نص ستة عشر من عشرين الذي صدر عن دار ميم للنشر، حاولت أن أهاجر في عقل البطلة سونيا، وهي واحدة من فتيات بلادي اللواتي لم تمنحهن الحياة ما يليق بهن، فانخرطن في لعبة التعبير عن الذات.. التعبير.. من هنا.. من ناحية القلب.

احتكار صونيا صوت الراوي، هل هو تمرد ناجم عن سأم المرأة عموما من تهميشها وحديث الرجل بالنيابة عنها؟

❊❊ مصطلح التمرد في حد ذاته تكريس لمغالطة اجتماعية قديمة تفرض على المرأة الانقياد غير المشروط للرجل في أبسط الأمور المتعلقة بها، بما في ذلك تعبيرها عن ذاتها. وحديث المرأة عن نفسها هو حق طبيعي مشروع، لا يمكن وصفه بالتمرد، وإنما بـ الوعي الاجتماعي الذي ينبغي أن يتشكل في ذهن المرأة أولا، كنوع من تقدير الذات، ومن ثم في ذهن الرجل.

من خلال محاولتها صياغة مصائر من حولها، هل تنجح صونيا في قلب معادلة المرأة الضعيفة، وإثبات مدى قوّتها ومقدرتها على صنع قدرها بيدها، أم هو مجرد صراع داخلي تعيشه بطلة الرواية؟

❊❊ ضعف المرأة ليس فطريا، ولا أقصد هنا الضعف الإيجابي أو تركيبتها الحساسة، بل ذلك النوع من الانسحاب والانهزامية الناجمين عن الممارسات التعسفية في حقها من قبل مجتمعاتنا الشرقية. وما تحاول سونيا إثباته هو ضرورة التصدي لهذه الممارسات ورفضها. وقد انتصرت في ذلك مرتين: أولاهما اختيارها نهاية غير تلك التي فرضتها عليها مجريات الأحداث، فيما تجلى الانتصار الثاني في سردها لقصتها بشجاعة وحرية مطلقة بدون حاجة إلى الاختباء وراء صوت الراوي وأحكامه أو انطباعاته.

علام يدل عنوان الرواية ستة عشر من عشرين؟.

❊❊  كما يبدو ـ للوهلة الأولى ـ هي علامة تقييمية، شأنها شأن كل العلامات التي تمنح من قبل جهة معيّنة بغرض الحكم على أداء شخص ما أو مستواه، بينما بالنسبة لسونيا فلهذه العلامة مدلول خاص ومختلف، فهي تفضل إعطاءها لنفسها بنفسها، كنوع من رفض تلقي أحكام الآخر ( المجتمع ) وإعلان عدم خضوعها له وتجريده من إطلاق تقييمه الجاهز لها على نحو ظالم، يغض الطرف عن ملابسات وتفاصيل حياتها.

ثمة اعتقاد ما، بكون الأديب الجزائري يتحدث عن الحب في كتاباته بمثالية ومبادئ لا يعيشها في الواقع، ما ردك على هذا الاعتقاد؟

❊❊ في رأيي هذا اعتقاد لا يمكن تعميمه، فالكاتب ـ قبل كل شيء ـ إنسان، وهو يعبّر ـ من خلال الكتابة ـ عن توجهاته الإنسانية حسب وعيه بها، أما إن كان ثمة تناقض في إسقاط هذا المبدأ أو غيره على حياته الشخصية، فيرجح وجود خلل ما، لا يمكننا تحديد موضعه، كونه يخضع لخصوصيات تتجاوز مجال اطلاعنا، وقد تتجاوز نطاق الكاتب في حد ذاته، أو تفرضها عليه ظروف ما، وبالتالي فحكمنا على الكاتب خارج نصه بعيدا عن التعامل الشخصي معه، لن يكون منصفا ولا موضوعيا.

منذ فترة قصيرة صدرت لك مجموعة قصصية، تحمل عنوان حبيبتاي بالتصوير البطيئ هل تحدثنا عنها؟.

❊❊ حبيباتي بالتصوير البطيء هي مجموعة قصصية إلكترونية صدرت عن دار النقطة، ضمّنتها من القصص ما يبلغ عدده مائة قصة وقصة. تناولت فيها قضايا مختلفة، ألقيت فيها الضوء على جوانب من الذات البشرية، من خلال المزج بين السرد الواقعي والتحليل الفلسفي النفسي، مع إعطاء الفرصة للقارئ كي يتأمل بدوره مجريات كل قصة ويضفي عليها تأملاته وانطباعاته الخاصة.

ما الذي أضافته لك تجربتك في النشر على صفحة التواصل الاجتماعي فيسبوك، وكيف يمكنك وصفها؟

❊❊ أنا أكتب ليس لأفرض فكرة بل لأصنع ذوقا. إنني أقترب من الناس ما أمكن لأتعلم منهم وأعيد اكتشاف أفكاري. لست مثقفا، أنا أحب الحياة وأنتصر للمتعة واللذة والجمال. أكتب بكل حرية أحلامي ومواجعي وأسئلتي، وهذا ما يدفعني لأن أتحرر من صفة ظلت لاصقة بي كاللعنة؛ مثقف.. كاتب.. وهي الصفة التي كانت تمنعني من الوصول إلى الناس.

ما رأيك في فتح بيت الشعر الجزائري، وما الذي يُرتقب أن يقدمه للشعر والشعراء على الصعيدين المحلي والعربي؟

❊❊ أتمنى لأصحاب هذا المشروع النجاح، ولا تعليق آخر في هذا الموضوع سوى أنني تحدثت مع صديقي الشاعر سليمان جوادي، وأخبرته بأنني لن أنخرط في بيت الشعر، وأنني أفضّل العمل بعيدا عن هذا النوع من التنظيمات، وقد تفهَّم وجهة نظري وتصافحنا بمحبة، وهذا كل شيء.

هل أنت مع الذين يعتقدون بعودة الشعر إلى واجهة الثقافة الجزائرية، أم أنه ـ في نظرك ـ لم يتراجع قط؟

❊❊ من الناحية الفنية، النص الشعري الجزائري كجنس أدبي لم يتراجع مطلقا؛ بدلالة أن هنالك أقلاما مبدعة ونصوصا قوية تستحق الإشادة والاحتفاء بها، إلا أنها ـ للأسف ـ مغيَّبة عن المشهد الأدبي؛ ذلك أن الجهات المشتغلة بهذا الشأن، رسمية أو أهلية، تركز على شعراء من خارج الوطن، وتركيزها عليهم في المحافل والتظاهرات الثقافية الوطنية والدولية؛ لذا فالذي يتراجع ليس الشعر في حد ذاته، بل اهتمام ودعم الجهات الوصية له.

ما رأيك في الأصوات الجديدة التي تدعو إلى مقاطعة تنظيم الحفلات في الجزائر؟

❊❊ من حق الناس أن يحتجوا بطرق سلمية للمطالبة بتحسين أوضاعهم. وإذا حدث أن مُنع حفل في منطقة ما فهذا يحدث في كل العالم، لكن أن تنفلت الأمور ويصبح الفن مهما كان نوعه مستهدفا، فهذا شيء غير لائق. وبالمقابل أدعو الجهات المكلفة بتنظيم هذه الحفلات إلى برمجة نشاطاتهم بطرق أكثر احترافية؛ باستشارة الجمعيات الثقافية المحلية في كل منطقة؛ ذلك أن الاستماع للناس بروح من المحبة سلوك جيد، كما أن تقبّل النقد يدل على حكمة وتبصّر. هذه مدن بلادنا وعلينا المحافظة عليها بعيدا عن التعنت والمشاحنة وفرض الأفكار.

ماذا بعد ستة عشر من عشرين؟

❊❊ لديّ كتاب آخر سيصدر قريبا عن دار بوهيما للنشر، بعنوان حبيباتي بالتصوير العكسي، وهو مجموعة من مائة قصة وقصة، كلّها ترصد تفاصيل مختلفة من الحياة بروح اللعب والجنون.

حاورته: لطيفة داريب