منصة.. "فلسطين حتى النخاع"
انتصار في ليل حالك والحياد يعني الخيانة
- 173
مريم. ن
احتضن فضاء فلسطين "غسان كنفاني"، أوّل أمس، بصالون الجزائر الدولي للكتاب منصة بعنوان "فلسطين حتى النخاع" استقبلت الروائي بوجدرة الذي بقي ملتزما كما كان منذ عقود مع القضية الفلسطينية مثمّنا المقاومة وحماس، مندّدا بالصمت والحياد، متفائلا بقرب النصر، مع الإعلان عن كتابه الذي سيرى النور "غزة حتى النخاع".
عن "غزة حتى النخاع" قال بوجدرة إنّ هذه العبارة غير بعيدة عن "حتى العظم" المستعملة في لهجتنا الجزائرية وحتى في اللغة الفرنسية، مؤكّدا أنّه كتب الكثير من المقالات عن فلسطين وعن القضية، منتقدا الواقع المريض الذي تعب فيه الناس من "زناة التاريخ"، معتبرا أنّ التاريخ الفلسطيني يعبّر عن نفسه، وأنّ القضية الفلسطينية أصبحت متداولة أكثر من أيّ قضية أخرى علما أنّ الضحايا تجاوزوا الآلاف.
استحضر بوجدرة في هذه المنصة بداياته التي كتب فيها "يوميات فلسطينية"،حينها كان المناخ العام ملتهبا وكانت الكتابة رائجة منها في فن الرواية، لكن بعدها ترّدت الأوضاع وأصبح البعض يهاب فلسطين خوفا من العقاب وردة الفعل فقد يكتب أحدهم عن القضية ويكون جزاؤه حرمانه من الفيزا مثلا أو من الجوائز، وغيرها، لكنه قال إنّ من يكتب لابدّ أن تكون له القدرة على طرح الحقيقة وهو الجوهر في الكتابة والإبداع .
قال الروائي إنّ "غزة حتى النخاع" تختلف تماما عن "يوميات فلسطينية" فهذه الأخيرة كتبت في زمن لم يكن مثل هذا البطش والوحشية التي وصفها بالقوة الإرهابية كما هي حاصلة اليوم على مشهد من العالم، وتأثر بوجدرة بالفلسطينيين البسطاء الذين رغم تلك الأهوال لا يزالون صامدون متشبتون بأرضهم ووطنهم ولا يكفون عن المقاومة وصورهم تملأ التلفزيونات اليوم. تحدّث بوجدرة عن موقف الحياد اتّجاه غزة، وقال إنّه لا حياد مع القضية ومعنى الحياد في مثل هذه الظروف يعني الخيانة، ثم كيف يكون هذا الحياد والأطفال الأبرياء والحوامل والشيوخ يقتلون، واصفا ذلك بالعار على جبين الإنسانية جمعاء.
سألت "المساء" بوجدرة عن كتابه الجدي "غزة حتى النخاع" وهل يحمل هذا الواقع المزري وهل يتضمّن أيضا مواقفه كمناضل؟ فرد أن الرواية سرد للأحداث بتفاصيل رهيبة .وأشاد من جهة أخرى بالهبة التي قام بها الشباب بالولايات المتحدة وأوروبا لنصرة غزة حيث أشار إلى أنّهم يخرجون كلّ نهاية أسبوع ويهتفون ويتصادمون مع الشرطة والقمع ولا يتراجعون بينما في الدول العربية يسود السبات متأسّفا حتى على غياب هذه الخرجات في الجزائر، وهو ليس نفس الحال الذي كان عليه الشارع الجزائري بعد نكسة 67 حيث خرج مليون متظاهر في العاصمة، ما يبيّن، حسبه، أنّ شبابنا انفصل عن السياسة ولم تعد عنده فلسطين قضية وجودية أي أنّ انتصارها انتصارنا .
عن غزة قال إنّ قصتها يعيشها بالكوابيس فبها ظلم صارخ ورهيب، وفيها الأطفال جوعى وعطشى ونحن ساكتون. وعن فلسطين قال إنّها أصبحت بلا فضاء وبلا أراضي، فلقد حجزتها إسرائيل، عكس حرب التحرير في الجزائر التي كان لها فضاؤها من الجبال والكهوف والدروب والأغوار مقحمة شعبها في قلب المعارك لتقطع أنفاس الأطلسي، ورغم ما يحدث اليوم ظل بوجدرة متفائلا والسبب، حسبه، هو أنّه لأوّل مرة أصبحت القضية الفلسطينية قضية عالمية تبنّتها كلّ قوى العالم وهو الانتصار لفلسطين الذي سيأتي، كما قال، بعد سنوات قليلة، معتبرا أنّ نجاح 7 أكتوبر هو في كونه ثورة ضربت إسرائيل حتى في جانبها النفسي وأصدقاؤها أصبحوا اليوم ضدّها مضيفا "الانتصار يقترب أكثر، وإمكانيات حركة حماس رهيبة التي توصف بالإرهابية إنّهم يريدون تعقيدنا فهم أيضا لهم منظماتهم الإرهابية، وأتذكّر أنه كان لنا شعور بالانتصار إبان حرب التحرير في سنواتها الأخيرة أي منذ سنة 1960 وكان منا أبي المناضل".
عن حماس دائما قال بوجدرة "إنّه لو قدر له القتال في فلسطين للبى النداء وينضم لحماس ولفصائلها، أما مواقف الدول العربية والإسلامية إلى أنّ بعضها شّرف القضية كما هو الحال مع ايران ودخلت بقوّة في جبهة ضدّ جبهة وانتصرت على إسرائيل هذه الأخيرة التي طلبت وقف إطلاق النار عكس ما يروّج له الغرب. هناك أيضا موقف اليمن العظيم الذي حرّم البحر الأحمر على الأعداء، وطبعا هناك مواقف مشرفة من العراق والجزائر اللتبن كان موقفهما صريحا وواضحا لم يتغير، كما أشاد المتحدّث بقادة حماس الذين لم يقدّموا أنفسهم على حساب القضية كانوا بسطاء.
في أثناء النقاش تحدّث بوجدرة عن تأثره بالروائي الفرنسي لوي فرديناند سلين أبو الرواية الحديثة لذلك اختاره موضوعا لأطروحته للدكتوراه بالسوربون، فهو صاحب روائع تقدّم ثورة عميقة داخل الرواية الفرنسية، كما اشتغل على اللغة ليغيّرها، وأضاف بوجدرة أنّ تكوينه كان في الرياضيات والفلسفة، وبالتالي استعمل التحليل النفساني في أطروحته عن هذا الروائي المتميز جدا الذي عانى التهميش لانتقاده اليهود علنا في أعماله فأصبح مكروها، أما عن الرواية الجزائرية فقال إنّها عبرت الجيل الأوّل مع محمد ديب والجيل الثاني مع كاتب ياسين والثالث معه وينتظر ظهور الجيل الرابع أمام الركود السائد.