في مواجهة عملية تحوّل خطرة

"انتحار الغرب.. انتحار البشرية"

"انتحار الغرب.. انتحار البشرية"
  • القراءات: 476
ق. ث/ وكالات ق. ث/ وكالات
بعد عقود عديدة عاشها العالم في ظلّ استقطاب دولي ثنائي بين معسكرين، غربي وشرقي، رأسمالي واشتراكي، تواجها فيما عُرف بالحرب الباردة، وأيضا في ظلّ حالة من الاستقرار أنتجها "سلام الرعب"، ومع انهيار جدار برلين والمعسكر الاشتراكي سادت لفترة من الزمن فكرة مفادها أنّ الرأسمالية حقّقت انتصارها النهائي وبالتالي "انتهى التاريخ" و"لن تكون هناك حروب بعد ذلك" في ظلّ القوة العظمى الوحيدة الباقية في العالم، أي الولايات المتحدة الأمريكية... لكن الواقع قال شيئا آخر وعرفت فترة ما بعد نهاية الاستقطاب الثنائي الدولي العديد من النزاعات القاتلة وتعاظم التوتر في العالم، إلى درجة أن ّأحد المواضيع الأساسية المطروحة على ساحات النقاش هو ذلك الذي يتعلّق بمستقبل العالم الذي نعيش فيه، هذا بالتحديد من منظور الأخطار التي تهدّده على مختلف الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية، وقبل كلّ شيء البيئية.
وفي مثل هذا المنظور، يتعرّض رئيس وزراء فرنسا الأسبق وأحد سياسييها المعروفين عالميا، ميشيل روكار في كتابه الأخير لشرح الأخطار التي تهدّد العالم، أو حسب التعبير الذي يستخدمه يقيم "جرداً للأوضاع المثيرة للقلق بالنسبة لمستقبل العالم"، وصولا إلى تقديم رؤيته للسبل التي ينبغي انتهاجها لدرء المخاطر التي يمكن أن تكون "مدمّرة"، حسب رأيه، يحمل الكتاب عنوان "انتحار الغرب، انتحار البشرية؟" وصيغة الاستفهام من المؤلف.
ولا يتردّد المؤلف - رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق في ظل حكم فرانسوا ميتران - في التصريح منذ الصفحات الأولى من الكتاب أنه يريد لهذا الكتاب أن يكون "أداة في المعركة وسلاحا"، ولكن ضدّ ماذا وضدّ من؟، ثم التساؤل عمّا إذا كان من الممكن "تحديد ما هو الصالح العام بالنسبة للبشرية وبالتالي إذا كان لا يزال ممكنا الدفاع عنه؟"، الإجابة عن مثل هذه الأسئلة هو موضوع العمل.
في القسم الأوّل من الكتاب يقوم ميشيل روكار باستعراض المشاكل والأخطار الراهنة ويحاول شرحها في السياق الدولي القائم، مع القيام بالكثير من المقارنات بين الواقع الراهن في الغرب عامّة، وداخل مكوّناته، وبين القوى الصاعدة وفي مقدّمتها الصين، كذلك يلجأ كثيرا إلى الاستعانة بالمرجعيات التاريخية كي يلقي الضوء أكثر على الحاضر، هذا كلّه في منظور محدّد هو صياغة سلسلة من الاقتراحات والحلول في القسم الأخير من الكتاب.
ويشرح المؤلف أنّ الوضع الراهن في ظلّ هيمنة المجموعات المالية لا بدّ أن يؤدّي إلى "الطريق المسدود"، والإشارة إلى أنّه من النتائج المباشرة لمثل هذا الواقع الجديد "تراجع، هذا إذا لم يكن فشل، مختلف النشاطات والأعمال ضد البطالة والهشاشة الاجتماعية وتعاظم المضاربات المالية وكذلك زيادة إصدار الغازات المخرّبة للغلاف الجوّي"..إلخ...
الأمثلة التي يضربها على الآثار السلبية للحالة الراهنة كثيرة، ومنها قوله إنّ البشرية تضرب اليوم "رقما قياسيا تاريخيا" من حيث السرعة فيما يتعلّق بانقراض الأنواع الحيّة، ويشير إلى أنّ التفكير بإعادة "التنوّع" الذي هو بصدد الزوال تقتضي فترة زمنية طويلة تُقدّر بـ "عشرات آلاف السنوات".
وفي الصفحات الأخيرة من الكتاب، يقدّم ميشيل روكار عددا من الاقتراحات الرامية إلى مواجهة المشاكل الكبرى التي تواجهها البشرية اليوم، هكذا يقترح مثلا تخفيض ساعات العمل من أجل محاربة البطالة، والكتاب يؤكّد فيه رئيس وزراء فرنسا الأسبق أنّ العالم أمام حالة "تحوّل" كبير، وأنّه ينبغي على الجميع أن يتذكّروا أنّ عليهم مسؤولية حيال العالم الذي يعيشون فيه.