الفنان المغربي عمر المتيوي:
الموسيقى تهذيب للنفس

- 1915

أكد الفنان المغربي عمر المتيوي أن دور تعليم الموسيقى مهم جدا في حياة الفرد، معتبرا أن المحيط ذا المستوى الفني الرائق على غرار ما يوجد في المدن الكبرى، يساعد على تطوير الموسيقى وانتشارها بشكل مقبول، وبذلك المساهمة في تكوين مواطن صالح. وقال إن هذا الأمر انتبه له الغرب من خلال التحسيس بأهمية الموسيقى في التعليم، على عكس ما يوجد في المغرب العربي، حيث تُعتبر الموسيقى مادة تكميلية وثانوية في مختلف مراحل التعليم.
ولم ينكر المتيوي، الذي تدخّل عشية أول أمس، في محاضرة حول موضوع "أصالة وحداثة: الآفاق المستقبلية للنوبة، ومساهمة مؤتمري القاهرة 1932 وفاس 1939"، الذي يندرج في إطار فعاليات معرض الموسيقى العربية "من الأصوات إلى النوبة"، من تنظيم قسم التراث غير المادي والفنون الحية بعاصمة الثقافة العربية 2015، المنظَّم بدار الثقافة مالك حداد بقسنطينة، المجهودات المبذولة من طرف المغرب والجزائر، اللتين خطتا خطوات ملحوظة، وسبقتهما تونس في هذا المسار، معتبرا أن الطريق لايزال طويلا. ووجّه نداء إلى وزارات الثقافة في هذه البلدان من أجل الاهتمام أكثر بهذا الأمر، وكذا الاهتمام بالمنشآت الخاصة في هذا المجال. كما ألح على ضرورة فتح مجال للتشاور بين بلدان هذه المنطقة، وعدم حصر التشاور والتعاون في المجال الموسيقي في البوابة الأوربية فقط.
واعتبر ضيف قسنطينة أن للموسيقى دورا كبيرا في العلاج النفسي، مضيفا أن هناك الموسيقى الهادئة التي تعالج التوتر والضغط النفسي. كما أكد أن هناك موسيقى ذات إيقاع عال، وحركة، على غرار الموسيقى العيساوية، الحمدوشية والقناوة، التي تُعتبر، حسبه، طرقا للتداوي أيضا؛ من خلال إدخال التوازن على الإضرابات النفسية والقلبية ومعالجة هواجس الإنسان، وهو تعامل مع شجرة الطبوع الموجودة في الموسيقى الأندلسية المغربية التي تهتم بالأخلاط الأربعة، وهي الدم، البلغم، السوداء والصفراء.
وقال المتيوي الذي تأسف لعدم الرقي بالموسيقى الأندلسية من طرف فناني المغرب العربي والوصول بها إلى المشرق، إن الفلاسفة الكبار على غرار الكندي ابن باجة، الفرابي وبن رشد، اهتموا منذ القديم، بالموسيقى الراقية التي تخاطب العقل والقلب، ولذلك انتشرت، في ذلك الوقت، الموسيقى الصوفية، مضيفا أن الجيل الجديد في حاجة للعودة إلى تلك النظرة الجميلة للحياة وللموسيقى، التي استُعملت كأداة للتقرب من الله؛ سواء في الإسلام أو في ديانات أخرى، على غرار المسيحية، التي استعملت فيها الكنيسة الموسيقى للوصول إلى الإيمان والاعتقاد بذلك.
وأكد الفنان المغربي أن الزوايا في المغرب العربي، ومن خلال الصوفية التي كان تأثيرها كبيرا في عهد المرابطين والموحدين، لعبت دورا كبيرا في الحفاظ على موروث عظيم، يتمثل في الموسيقى التي تسمى اليوم بالموسيقى الأندلسية، معتبرة أن الكلمة استعملها بكثرة المستشرفون، وأن "جيل رواني" في أوائل القرن التاسع عشر، هو الذي أطلق تسمية الأغنية الأندلسية لإعطاء هذه الموسيقى ميزتها العربية المغاربية، مضيفا أن استعمال كلمة "الآلة" في الثقافة الموسيقى المغاربية الحالية وحتى في المالوف، جاء ليفرق بين السماع الذي كان منتشرا في الزوايا والذي لم تكن تُستعمل فيه الآلات الموسيقية، وبين الموسيقى الأندلسية التي كانت تعتمد على الآلات الموسيقية كميزة في هذا النمط الغنائي الذي كان يعتمد أيضا على النوبة.
من جهته، أكد الأستاذ جمال غازي، الباحث في التراث الموسيقي الكلاسيكي، عضو بالأوركسترا السمفونية الوطنية ومدير المعهد الوطني العالي الموسيقي بالجزائر العاصمة، خلال المداخلة التي قدّمها بعنوان "تطور الموسيقى الأندلسية - العربية وتحديثها"، على ضرورة تحديث هذه الموسيقى من خلال إدخال الآلات الموسيقية الحديثة وكذا إدخال التكنولوجيا، حتى يتمكن الشباب من التمتع بهذا النوع الموسيقي المحلي. وتحدّث عن المشكلات التي تعترض التدوين الموسيقي الحديث في مواجهة الموسيقى الشفهية، حيث أخذ ميزان انصراف الصنعة نموذجا، معتبرا أن أغلب المشاكل تقنية، وجب فهمها وفق دراسات دقيقة لوضع حلول ناجعة. وقال إن هناك تراثا مشتركا في المغرب العربي، وتحدّث عن الموسيقى بصفة عامة، معتبرا أن دور الموسيقى في التربية والتعليم كبير، وأن الممارسة للموسيقى بصفة عامة، ومهما كان نوعها، هي توسعة للقلب.
وقال إن الموسيقى ستجلب الانتباه إذا كانت عملا فنيا ذا قيمة، مع استعمال تقنيات ذات نوعية. وعلى العكس، فإذا كانت نوعية الصوت رديئة، فهي تؤدي إلى نفور المستمع.
وعرفت التظاهرة تنظيم سهرة فنية من إحياء فرقة روافد المغربية بقيادة الفنان عمر متيوي، وهي الفرقة التي كان لها دور كبير في إعادة ترميم عود الرمل بالمغرب، كما كانت الفرصة مواتية لتكريم العديد من الشيوخ الذين خدموا هذه الموسيقى، على غرار الشيخ الضرسوني، عبد المومن بن طوبال، عبد الحميد بن البجاوي وحمدية بربوح المدعو "زيدان".