المخرج التشيكي بيتر فاتسلاف يدرّس "سينما الهامش":

المهم صدق النظرة لا شكل الفيلم

المهم صدق النظرة لا شكل الفيلم
  • 241
نوال جاوت نوال جاوت

تبدو الوصايا التي ختم بها المخرج التشيكي بيتر فاتسلاف درسه المفتوح، أوّل أمس السبت، ضمن فعاليات المهرجان الدولي للفيلم الثاني عشرة، وهي القراءة، الدراسة، العيش، الملاحظة، الثقة بالحدس، وتحمّل مسؤولية شقّ الطريق الشخصي، أشبه بمفتاح لفهم تجربته السينمائية كلّها.

السينما بالنسبة لفاتسلاف، ليست تقنية فحسب، بل طريقة حياة وسعي دائم للفهم، وقد تكون رحلة تغيّر صاحبها قبل أن تغيّر جمهورها. ومن خلف هذه الرؤية، يمكن تتبّع مسار مخرج اختار أن يجعل من الهامش مركزًا، ومن العيش المشترك شرطًا أخلاقيًا للنظر إلى العوالم المقصاة بضوء مختلف.

انطلاقًا من هذا المنظور، يقدّم فاتسلاف الفيلم كمغامرة إنسانية في جوهرها. منهجيته، القائمة على الانغماس واحترام الآخر ورفض الطرق السهلة، تعيد التأكيد بأنّ السينما فضاء للمعرفة وللتعاطف، قادرة على كشف ما تفضّل المجتمعات تجاهله. وهو يرى أن مشروعه يقوم على فضول دائم ورغبة مستمرة في النظر إلى أولئك الذين تدفعهم الحياة إلى الهوامش.

وفي درس "سينما الهامش، كيف نوثّق دون استغلال"، عاد فاتسلاف إلى مساره الأوّل، متوقفًا عند خياراته الأخلاقية والجمالية، والطريقة التي بدّلت بها أفلامه حياته كما بدّلت حياة شخصياته، موضّحًا أنّه لا يريد إدراج تجربته داخل تصنيفات ثابتة. فالسينما بالنسبة إليه سلسلة من الأسئلة اليومية، فمنذ بداياته، اختار الاشتغال على مواضيع قليلة الظهور أو مشوّهة التمثيل. 

ويرفض فاتسلاف الفصل بين الوثائقي والروائي، قائلاً "لا رغبة لي في التفريق بينهما"، فالمهم بالنسبة إليه هو صدق النظرة لا شكل الفيلم. سواء كان الحدث تاريخيًا أو معاصرًا، تبقى منهجيته نفسها وهي قراءة وأرشفة لفهم الماضي، وانغماس ومشاركة للعيش اليومي لفهم الأحياء. ويشرح أنه يبني أفلامه عبر مسارين أساسيين: ففي المواضيع التاريخية يعود إلى الأرشيف، يقرأ كتب المرحلة، يشاهد أفلامها، ويعيد تشكيل السياق الذي كوّن الشخصية. أما في المواضيع المعاصرة، فيدخل في مجتمع الشخصية، يعيش تفاصيلها اليومية، ويكسب الثقة عبر الزمن والإنصات. ومع أنّ لكلّ إنسان "تفرّده"، يبقى في جوهره نتاجًا لظروف اجتماعية محدّدة، فيما يظلّ الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة إليه أولئك الذين ينجحون في تجاوز هذا الحتم.

خلال الدرس، استعاد فاتسلاف تجربته في فيلمه الروائي الأول عن "الغجر". فبعد نصائح "تبسيطية" من منتجين اقترحوا "صبغ" ممثلين تشيكيين ليبدو كأنهم من الغجر، أسّس شركته الخاصة ليحافظ على حرية المشروع. وعمل مربّيًا في مؤسسة إصلاحية تضم أطفال الغجر، عاش معهم، وسمع حكاياتهم الليلية، حتى قال له أحد الأطفال "أنت أوّل أبيض يستمع إليّ" بالنسبة لفاتسلاف، كانت هذه الثقة، المولودة من العيش المشترك، شرطًا أخلاقيًا وجماليًا لإنجاز فيلم صادق.