تجمع التراث والأصالة
المنيعة..وجهة ثقافية وسياحية بمقوّمات فريدة

- 136

تمتاز المنيعة بموقع استراتيجي هام، تقع في جنوب الجزائر، وتبعد عن العاصمة بـ870 كلم، هي منطقة عبور لولايات الجنوب الجزائري، ونحو إفريقيا، وتعدّ نقطة وصل واتّصال ما بين المناطق للطرق العابرة للصحراء من الشمال إلى الجنوب، والعكس، هي عبارة عن واحة ذات طبيعة خلابة، وسط كثبان رملية تسحر الأنظار، تسمّى باللهجة العامية لمنطقة المنيعة "عرامد"، جمع كلمة "عرمد" أي ربوات قليلة..تعد المنيعة فضاء سياحيا مميّزا لتوفرها على مؤهلات سياحية، تساهم في الجذب السياحي؟
قالت محافظة التراث بالمتحف الوطني ورئيسة مصلحة تنشيط الورشات البيداغوجية السيدة أم السعد بلجودي إنّ القصر القديم بالمنيعة يعدّ من أهم معالم المنيعة، وبداية العمران في المدينة، تأسّس ما بين القرن التاسع والعاشر ميلادي، من طرف قبيلة زناتة القادمة من تميمون، وتعاقبت عليه عدّة قبائل، منها جرمانتية القادمة من صحراء ليبيا في القرن 11 ميلادي، وقبيلة بني خفيان من بني ميزاب في القرن 12 ميلادي، وإلى غاية القرن 13 ميلادي، دخله العرب، وفي القرن 14 ميلادي، كان ضمن مركز الهلالية السلطانة مباركة بنت القص من قبيلة بني عامر، وآخر القبائل الذين عمّروا القصر القديم، هي قبيلة الشعانبة.
القصر القديم.. رحلة عبر الزمن
أوضحت المتحدّثة لـ"المساء"، أنّ القصر أطلق عليه عدّة أسماء، الاسم الأوّل "تاوريرت" وهي كلمة أمازيغية تعني التلة الصغيرة، أصلها "تاورارت" ولكن بالتداول العربي، أصبحت "تاوريرت" لأنّ القصر أسّس فوق هضبة، والاسم الثاني "المنيعة"، وهي كلمة أطلقت من طرف قبيلة الشعانبة سنة 1550، بمعنى أنها كانت تمنع الأهالي من أخطار الغزو، ومن مجرى الوادي، وأطلق أهل القلعة على القصر القديم اسم "القليعة" تصغير لكلمة قلعة، كما أطلق المستعمر الفرنسي عند دخوله القصر القديم، في 23 جانفي 1873، اسم "القوليا" لأنّها كانت عبارة عن قلعة فوق جبل، ثم أرجع اسمه إلى "المنيعة" بعد الاستقلال مباشرة في سنة 1962.
وأضافت المتحدّثة أنّ القصر توجد به 3 أنماط من الطابع العمراني، وهي عمران زناتة، وبني حفيان، وإضافات أخرى، كما توجد به 3 طوابق، والبناء القديم كان خليطا من الطين والنباتات، وقد بناه بنو حفيان بالحجارة الصغيرة، يعني أنّ القصر بني بالطين والحجارة، مشيرة في حديثها إلى أنّه توجد قصور تشبه قصر المنيعة بنفس الشكل، بكلّ من تيميمون وتونس، وأيضا، بجبل الغور في برزينة بولاية البيض. صنّف القصر القديم بالمنيعة وطنيا، سنة 2005، وقبل ترقية المنيعة إلى ولاية، احتضن نشاط التظاهرة الثقافية "عيد القصر".
المتحف الوطني.. حاضن الديناصورات
من جانب آخر، أكّدت مديرة المتحف العمومي الوطني بالمنيعة السيدة أم الخير هامل، أنّ المتحف يعدّ أحد الوجهات الثقافية والسياحية التي يقصدها الزوّار والطلبة للتعرّف على جزء مهم من تاريخ المنطقة، وهو متحف لما قبل التاريخ، تعود بداياته إلى سنة 1958، بمجموعة متحفية جمعها القسّ الفرنسي روني كلارك بمجيئه إلى المنيعة، حيث جمع الآثار، وإليه يعود الفضل في جمع كميات كبيرة من قطع الجيولوجيا والبالينتولوجيا، وأوضحت لـ"المساء"، أنّ متحف المنيعة يعدّ المتحف الوطني الوحيد المتخصّص في الجنوب الجزائري، والمتحف الوحيد الذي توجد به الديناصورات، وأيضا، المتحف الوطني الوحيد على مستوى الجزائر، يوجد به ديناصور يزيد عمره عن 150 مليون سنة، ويوجد به أضخم ديناصور يزيد عمره عن 170 مليون سنة، ونوع من التماسيح كانت تعيش فقط في شمال إفريقيا، يصل طولها إلى 12 مترا.
يضمّ المتحف 5 أجنحة، وهي الجيولوجيا، الباليونتولوجيا، عصور ما قبل التاريخ، العصر الحجري الحديث والإثنوغرافيا، وتوجد به 3 أنواع من عظام الديناصور، كما يضمّ مجموعة من الأدوات ما قبل التاريخ من مواقع تميمون وعين صالح والمنيعة بمساعدة سكان المنطقة، أيضا، أدوات الصيد، الفؤوس الحجرية، الشظايا، الفخار، أدوات الطحن المتنوعة وغيرها، وإضافة الى ذلك، يضم المتحف أنواعا من الحيوانات المنقرضة، ومستحثات الأسماك، والأخشاب المتحجّرة، وقشور بيض النعام، ناهيك عن وردة الرمال، وبقايا المرجان، وأواني تقليدية كأدوات الطهي وأوني من سعف النخيل والألبسة التقليدية وغيرها من المعروضات.
ويضع المتحف بين أيدي الباحثين والطلبة مجموعة من الكتب التي تتوفّر عليها المكتبة يصل عدد عناوينها إلى 2000 عنوان في التراث الشعبي والآثار والتاريخ والحيوانات وعلوم الأرض والأدب. ومن معالم المنيعة، أيضا، الكنيسة الكاثوليكية التي تعود إلى القرن التاسع عشر ميلادي.
الزربية.. مجد الصناعة التقليدية المنيعية
من أبرز الصناعات التقليدية التي تمتهنها المرأة المنيعية، وتعرّف الزائر نمط معيشة سكان المنطقة، هي الزربية المنيعية التي تعود إلى سنة 1920، بأشكال ورسومات ذات بعد رمزي، ومسحة جمالية تعبّر عن مجد الصناعة التقليدية المنيعية بصفة خاصة والجزائرية بصفة عامة، بألوان وخيوط وتراكيب لونية .
وتعتبر زربية المنيعة التي تسمّى بالقصر القديم، من أقدم الزرابي التي تعرفها المنيعة، بألوان مستمدّة من الطبيعة الصحراوية، منها البني والأصفر والأخضر والأزرق الغامق، وفي هذا الإطار، أوضحت الحرفية في صناعة الزربية التقليدية المنيعية السيدة مسعودة ودان، أنّ الزربية المنيعية في أصلها كانت تستعمل بالصباغة باستعمال مواد طبيعية حسب كلّ نوع من الزربية كالحنّة والمسواك والبابونج، كما ترمز أشكال الزربية إلى نمط معيشة السكان قديما، ومن بين الرموز "الخبزة"، "الركيزة" وسط الخيمة، "الحزام" سواء حزام المرأة أو الرجل، "الفول" للحساء، "جريدة النخيل" التي تستعمل لإشعال النار، كما تتميّز زربية المنيعة برسومات معيّنة منها، القندام، تيركوك، تارقي، الموبتي، تويقرة، أكس وغيرها.
وأشارت الحرفية في حديثها لـ"المساء"، إلى أنّها تعلّمت الحرفة في مركز الأخوات قديما، ومنذ سنة 1971 إلى يومنا هذا، لا تزال متمسّكة بحرفة الزربية المنيعية، وهي حاليا، تعمل في ورشة وتقدّم دروسا تطبيقية لمجموعة من البنات والنساء، وقد أكّدت أنها شاركت في معارض في فرنسا عدّة مرات، وفي كلّ منطقة من بلادنا من أجل تسويق الزربية المنيعية، باعتبارها مصدر رزقها وتراث المنيعة، وعلى حد تعبيرها "تعيش الفالة والخلالة" أي الفال وهو المنتوج الأول من الخضر والفواكه، والخلالة تخص النسيج، وهما مصدر رزق ناس المنيعة.
"القربة والعكة والشكوة".. وسائل تراثية تأبى الزوال
قالت الحرفية في دباغة الجلود بالمنيعة، الحاجة سعيدة سعدودي، إنّ العائلات المنيعية لا تزال تحافظ على تقاليدها وعاداتها، رغم التطوّر التكنولوجي، خاصة منها أدوات البيوت.
وأوضحت المتحدّثة أنّ العائلات لا تزال تستعمل "القربة" و"الشكوة" و"العكة"، والتي عادة تصنع من جلود الماعز، حيث أنّ سكان المنيعة قديما، كانوا يتناولون الماء الصالح للشرب من القربة، بإضافة قطرات من مادة القطران المفيد للمعدّة، حسب رغبة كلّ شخص وكلّ عائلة، كما أنّ "القربة" تحفظ الماء البارد خاصة في فصل الصيف. من جهة أخرى، لا تزال العائلات تحتفظ بـ"الشكوة" لمخض الحليب، وهي أيضا، مصنوعة من جلد الماعز، لكن الفرق بين "الشكوة" و"القربة"، أن "الشكوة" لا يُنزع منها شعر الماعز حسب الحرفية.
أما "العكة" فهي تستعمل لحفظ "الدهان"، وهو الزبدة المستخلصة من مخض الحليب في "الشكوة"، ويمكن لـ"العكة" أن تحفظ "الدهان" لمدة عام أو عامين، خاصة وأنه يستعمل في الأكلات الشعبية كالمردود والرفيس في الحفلات والأعراس وأشارت الحاجة سعدودي إلى أنّ "العكة" ينزع منها شعر الماعز، وتستخدم بدباغة الرب من التمر، أما "الشكوة" تستخدم بعود العرعار.
وتشتهر المنيعة أيضا، بالأكلات الشعبية منها المردود، وصناعة الحلي التقليدية، والطينية، والصناعات الخشبية. للإشارة، تحتوي ولاية المنيعة على مياه جوفية ذات نوعية جيّدة تحت اسم "القوليا" و"المنيعة"، وتوجد بها بحيرة والسبخات، وقد صُنّفت "البحيرة المالحة" منطقة رطبة ومحمية وطنية.