النظام الاجتماعي يجد جذوره في مشروع روزفلت الإصلاحي

المعطى الفرنسي الجديد ومظاهر تعزيز دور الدولة

المعطى الفرنسي الجديد ومظاهر تعزيز دور الدولة
  • القراءات: 596
 ق.ث/ وكالات ق.ث/ وكالات

في عام 1929 انفجرت الأزمة الاقتصادية الكبرى التي شاع وصفها بـ"الكساد الكبير" الذي نتجت عنه سلسلة من المظاهر المنذرة بالخطر التي لم يكن أقلّها خطورة تعاظم البطالة وإعلانات الإفلاس المتكررة في الولايات المتحدة، كما في مختلف بلدان العالم الأخرى، في مواجهة تلك الأزمة الكبرى قرّر الرئيس الأمريكي آنذاك "فرانكلين ديلانو روزفلت" تبنّي سياسة إصلاحات طبّقها خلال سنوات 1933 - 1938 وأعطاها تسمية "المعطى الجديد- نيو ديل".

تجدر الإشارة إلى أنّه يتمّ التمييز بين مستويين فيما يخصّ الخطة الإصلاحية للرئيس الأمريكي الأسبق روزفلت، هناك "المعطى الجديد الأوّل" المباشر الذي كان يهدف إلى تحسين الوضع على المدى القصير وبالتحديد على مدى المائة يوم الأولى خلال عام 1933، وتمّ خلالها إصلاح البنوك وتبنّي الإجراءات الاجتماعية الملحّة والمساعدة على صعيد العمل والبرامج الزراعية، وهناك "المعطى الجديد الثاني" خلال سنوات 1935 - 1958 ويخص برامج الإصلاحات البنيوية "في العمق".

والمؤرّخ الأمريكي فيليب نورد، الأستاذ في جامعة برينستون، قدّم كتاباً تحت عنوان "المعطى الجديد الفرنسي"، صدر أوّلاً في الولايات المتحدة ثم صدرت ترجمته في فرنسا قبل أسابيع، وهو يكرّسه للبحث في الآلية التي تبناها الفرنسيون لنقل تجربة روزفلت الإصلاحية إلى بلادهم.

ويحدّد نورد الفترة الزمنية التي شهدت ذلك النقل في نهاية سنوات الجمهورية الفرنسية الثالثة واستمرّت خلال سنوات حكومة فيشي التي تعاونت "سياسياً" مع الاحتلال النازي لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، ثمّ تطوّرت تلك العملية في فترة ما بعد تلك الحرب.

ويحدّد المؤلّف القول إنّ الفترة الجنينية لـ"المعطى الجديد الفرنسي- نيو ديل" ولبروز ملامح "النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي الفرنسي الحديث كانت خلال سنوات 1944 -1946"، هذا النظام الذي يُطلق عليه الفرنسيون أنفسهم توصيف "الاستثناء الفرنسي".

يصوغ المؤلف أطروحة مفادها أنّ الفرنسيين قاموا هم أيضاً بـ"إصلاح حقيقي جديد"، وهو يشرح في مختلف فصول الكتاب المظاهر السياسية والاقتصادية والثقافية التي أسست خاصّة لـ"تعزيز دور الدولة" خلال ثلاثة عقود غطّت الفترة الزمنية لسنوات الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، العشرين.

وما يؤكّده هو أنّ ذلك "المعطى الجديد الفرنسي" ساهم كثيراً في عملية "إصلاح فرنسا" بعد الخراب الذي سبّبته الحرب العالمية الثانية والاحتلال النازي. ذلك الإصلاح طال خاصّة "تطوير الاقتصاد وتخطيطه" و"ولادة نظام حماية اجتماعية" و"القيام بالموجة الأولى من عمليات التأميم" وكذلك وأساساً "انتهاج سياسة ثقافية واسعة الانتشار".

ويشرح المؤلف أنه عند تحرير فرنسا من الاحتلال النازي ونهاية الحرب العالمية الثانية بدا من الواضح أن الملحّ والمطلوب "تجديد بنية الدولة"، تماشياً مع الفكرة الأساسية التي تترافق عادة مع التحرير من القوى الاستعمارية أو الأنظمة الدكتاتورية "التحرير يترافق غالباً مع فكرة إعادة التعمير".

وكانت تحوم بالتوازي بالأجواء، مع التحرير، "مجموعة من المفاهيم والمبادرات والممارسات" التي كانت تشكل صدى واقعياً لسياسة "الإصلاح" التي تبنّاها الرئيس الأمريكي روزفلت بعد أزمة 1929 و"الكساد الاقتصادي الكبير" في مطلع سنوات الثلاثينيات.

كما كان يدور في ذهن الجميع نوع من "الحلم المشترك" بحياة سياسية واجتماعية أكثر تفتحاً وازدهاراً. ومما يؤكّد عليه المؤلف أنّ الكثير من الموظّفين الكبار الذين انضووا في إطار حركة الإصلاح الاجتماعي الفرنسي كانوا قد عملوا في "حكومة فيشي" التي يعيد لها المؤلف بعض الاعتبار من حيث هذا المظهر، ويشير المؤلف في هذا السياق إلى أنّ فترة حكم "الجبهة الشعبية" في فرنسا في أواسط سنوات الثلاثينيات "تركت الكثير من الآثار على الذهنية الفرنسية من حيث أهمية البعد الاجتماعي". هذا خاصّة أن زعيم الجبهة الشعبية ليون بلوم كان يكنّ الكثير من الإعجاب لشخصية الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت.

وفي طليعة المفاهيم والمبادرات والممارسات الإصلاحية التي تبنتها فرنسا "التمسّك بالقيم العائلية" و"احترام النخب" و"التأكيد على ضرورة بناء دولة قويّة وقادرة على حماية المصالح الفرنسية في مختلف أنحاء العالم".

ويرى المؤلف- المؤرّخ الأميركي أنّ "ميثاق المجلس الوطني الفرنسي" للمقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي يمثّل في الكثير من فقراته نوعاً من "الترجمة الحرفية" لمشروع روزفلت حول خطته الإصلاحية "المعطى الجديد".

الكتاب بوجه عام، رؤية أمريكية حول الأسس التي يقوم عليها النظام الفرنسي بـ"نسخته" الاجتماعية والثقافية وما "أخذته" من مشروع الإصلاح الذي تبنّاه الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين روزفلت في ثلاثينيات القرن الماضي.

للإشارة، فيليب نورد مؤرّخ وباحث فرنسي، يعمل أستاذاً لمادة التاريخ في جامعة برنستون بالولايات المتحدة الأميركية، يولي اهتمامه الخاص للمسار التاريخي الفرنسي الحديث، والكتاب صادر عن  دار "بيران" (باريس 2016)، وجاء في 768 صفحة من الحجم المتوسط.