كانت لهم بصمة في نشر العلم وتعليم القرآن
المشايخ في كتاب «من فضلاء منطقة الجلفة»

- 1785

يحمل كتاب «من فضلاء منطقة الجلفة» الذي صدر عن دار «الجلفة إنفو» للنشر والتوزيع في طبعة رابعة (منقحة ومزيدة)، سردا لمسيرة رجال وأعلام يمثلون دررا مكنونة لا طالما كانت لها بصمتها في المجتمع الجلفاوي، في نشر العلم وتعليم القرآن والجمع بين الخصال الطيبة ومكارم الأخلاق، وقد نال الجهد من كاتب هذا الكنز لفضلاء المنطقة الباحث والمؤلف العصامي أبو محمد سعيد هرماس الذي لم يتوان في جمع شهادات شفهية ومكتوبة، وأخرى مستقاة من سلف هؤلاء الرجال الذين ذكروا في الكتاب الذي يحوي 384 صفحة بـ147 شخصية فذة، كان لها ولا زال كذلك صيتها ومسيرتها المستنيرة.
يضم هذا المتن الذي يجمع فضلاء منطقة الجلفة في فترة زمنية محددة من 1861 ميلادية إلى مطلع القرن الحادي والعشرين، رجالات وأعلاما قاطبة في الدين والعلم والورع تشبعت بمختلف العلوم وارتوت من صفوة الأخيار، فوجدت لها مكانا داخل مجتمعها، من حيث الأدب والكرم، ونالت صفة زينة الرجال ومنهم من ترك بصمة خالدة إلى اليوم، كمن أسس إشعاعا لتحفيظ القرآن أو زاوية لا زالت أركانها قائمة أو علم ينتفع به أو من مكارم أخلاق يذكر بها بين الآباء والأبناء، حتى وصلت إلى الأحفاد، يفتخرون بها ويجعلونها وساما مشرفا.
على سبيل المثال، استفاض الكاتب في الحديث عن الكثير من الرجالات والمشايخ بترتيب أبجدي، منهم حاشي عبد الرحمان وسي عامر محفوظي والقاضي شراك علي وسي عبد القادر الشطي والشيخ العلامة سالت الجابري، الذي لا زال على قيد الحياة، وعدد من مؤسسي الزوايا بشتى ربوع المنطقة التي ازدهرت بعلماء أناروا الدرب وكانوا بمثابة «النبراس»، وحلقة ربطت الأمس القريب بحاضر لم يغيبهم، بل جعلهم في محفظة الذاكرة.
لم يتوان الكاتب أبو محمد سعيد هرماس ـ الذي ينحدر من ولاية الجلفة ويعمل بقطاع التربية، وشهد له مشايخ كبار وباحثون جامعيون بالحذاقة ومتانة أسس العلم لديه ـ، في تجميع كل المعلومات عن المشايخ والرجالات والعلماء ولو تطلب ذلك، على حد تصريحه لـ»وأج»، التنقل ومشقة السفر والانتظار في ظل صعوبة المهمة من أجل حفظ ذاكرة جماعية، بجهد فردي، الهدف منه ليس مصلحة شخصية، حيث تأليف والتدوين في صفحات بيضاء، بقدر الاهتمام المتزايد بفن وعلم هو جديد بالمنطقة، يتعلق بالتراجم، نهله من أهله وعلمائه بالقراءة لهم والتعلم منهم، كما هو الحال بالنسبة للإمام الذهبي، حيث كان الاستهلال بطبعة أولى لكتاب «من فضلاء منطقة الجلفة» عام 2011 وكان يضم بين صفحاته آنذاك تراجم 121 شخصية من فضلاء المنطقة.
من أجل إضافة المزيد وتنقيح الكتاب، تم مد المكتبات ـ حسب المتحدث ـ بطبعة ثانية، ثم ثالثة وهاهي اليوم الرفوف تزدان بطبعة رابعة تجمع أقطابا من العلماء والمشايخ بفنية التراجم، حيث ذكر مولد المعني (المقصود بالتعريف) وعرشه ونسبه ونشأته وتعلمه وما ترك (بالنسبة للذين غادروا الحياة) وكذا مسيرة من لا زالوا يتنفسون على هذه الأرض الطيبة ويعشقون بلسمها.
جعل الكاتب شروطا ضمنية ممن هم جديرون بالبحث عن سيرهم وتدوين تراجمهم، منها نشاطهم في حلق العلم والدروس المسجدية، بالإضافة إلى التأليف والآثار العلمية وخدمة وتأسيس الزوايا، حيث يشترط أن يتحقق منها شرط واحد على الأقل ليحظى صاحبها بزاوية المكان في تراجم الرجال. يقول المؤلف بأنه تعرض إلى جانب صعوبات جمع المعلومات عن الرجال إلى النقد «غير الموضوعي»، من طرف القلة حول عدم إدراج بعض الأسماء استجابة لأهوائهم ونزعاتهم، مشيرا إلى أن إعادة طبع الكتاب هو من أجل إضافة المزيد في ظل ما يحكمه هذا العمل، حيث استقاء السير والتراجم بصفة مدققة من أصحابها أو من تلامذتهم أو أبنائهم أو أحفادهم، بطريقة علمية تحفظ نسبهم وهويتهم وكذا أثارهم العلمية الباقية.
يذكر أن الكاتب له عدة مؤلفات، على غرار «تكملة الوفيات» و»تذكير العقلاء بمسائل السنة عند العلماء» و»طبقات المالكية الجزائريين خلال المائة الهجرية الأخيرة» الذي يعتبر أول مُصنّف من نوعه في الجزائر، قام فيه المؤلف بجمع تراجم لفقهاء المالكية الجزائريين من 1317 هـ إلى غاية 1421هـ، وقد تم تقسيمه إلى أربع طبقات عُرفت الطبقة الأولى بـ»الإمام عبد القادر المجاوي»، وحملت الطبقة الثانية اسم العلامة «عبد الحميد بن باديس»، ثم طبقة «عبد اللطيف سلطاني»، ليختم العمل بطبقة الذيل التي اشتملت على أسماء الذين عاشوا في الطبقة الثالثة ولا يزالون على قيد الحياة.