الدكتور النيجيري الخضر عبد الباقي لـ"المساء":

المستعربون الأفارقة صامدون وعلى التصوّف التحلي بالعصرنة

المستعربون الأفارقة صامدون وعلى التصوّف التحلي بالعصرنة
الدكتور الخضر عبد الباقي
  • 516
حاورته: لطيفة داريب حاورته: لطيفة داريب

تواصلت "المساء" مع الدكتور النيجيري الخضر عبد الباقي محمد، الذي شارك في الطبعة الأخيرة للصالون الدولي للكتاب بالجزائر، وتحديدا في ملتقى "المشترك الصوفي الجزائري الإفريقي". كما قدّم ندوة في "سيلا23" عن نشاط المركز النيجيري للبحوث العربية الذي يديره، فكان هذا الحوار.

❊ هل لك أن تقدّم تفاصيل عن نشاط المركز النيجيري للبحوث العربية الذي تديره؟

 أكيد، للمركز عدة مهام، وهي تعميق الفهم الصحيح للحضارة العربية بالنسبة للمسلمين في نيجيريا والدول الإفريقية التي تقع جنوب الصحراء، وكذا الاهتمام ونشر المؤلّفات المكتوبة باللغة العربية في نفس المنطقة، بالإضافة إلى ربط التواصل بين المثقفين باللغة العربية المحليين مع نظرائهم من الدول العربية؛ مثل الجزائر والسعودية وغيرهما، علاوة على دعم الجيل الناشئ لإفريقيا في مجال تمكينهم من اللغة العربية؛ من خلال تنظيم فعاليات خاصة وبرامج متخصصة بلغة الضاد.

وهنا أؤكد اهتمامنا أكثر بالأطفال؛ لأن الكبار يمكنهم تعلّم اللغة العربية في المدارس والمعاهد. أيضا نشر مؤلَّفات العلماء القدامى. لكن في نطاق واسع، نسعى للاهتمام أكثر بمؤلفات الكُتّاب المعاصرين؛ حتى نقاوم مصير كنوز القدامى التي تعرّض أغلبها للتجاهل.

وأخيرا، تنظيم ورش ومحاضرات وأمسيات شعرية على نطاق وطني في نيجيريا. وقد كان آخر نشاط قدّمناه قبل حضوري إلى الجزائر، محاضرة تحت تأطير السعودية، حول مهارات التفاعل للنخب الدعوية مع البيئة، علما أننا أجرينا العديد من اتفاقيات توأمة؛ لأننا نعمل بمرونة وبدون بيروقراطية، حتى إن معظم أقسام اللغة العربية في الجامعات النيجيرية وحتى جامعات الدول المجاورة، أعضاء بالمركز. وهناك تعاون كبير بيننا. كما نتعامل مع الجهة الرسمية في البلد؛ حيث تتم استشارتنا في أمور لها علاقة بالعالم العربي وشؤون القضايا العربية.

نعم لسنا جهة حكومية ولا حزبية، ولكننا مرخصون من الدولة للعمل؛ من أجل نشر اللغة العربية في المنطقة. كما نحن منفتحون على كل دولة عربية. وعلاقتنا مع الجزائر مثلها مثل علاقتنا بأي دولة عربية أخرى؛ لأنّ الثقافة هي التي تجمع بيننا.

❊ تعترض المستعربين الأفارقة أي الذين يتعاملون باللغة العربية رغم أصلهم غير العربي، صعوبات كثيرة في خدمة اللغة العربية؛ من أين لهم كل هذا الصمود في دول لا تعتبر لغة الضاد لغة رسمية؟

❊ الصمود هذا ناتج عن إيمان المستعربين الأفارقة بضرورة نشر اللغة العربية في دول جنوب الصحراء، فيحاول هؤلاء المسلمون خدمة هذه اللغة متسلّحين بالإرادة والإيمان، فيكتبون مؤلَّفات وينشرونها ولو بصعوبة كبيرة؛ نظرا لقلة دُور النشر المهتمة بالكتب المكتوبة باللغة العربية، حتى إن البعض منهم يقترضون مالا لكي يقوموا بهذه الخطوة. نعم تتذلّل الصعاب بقوة الإرادة والعزيمة.. هذه هي رسالتنا.

❊ طلبت في الندوة التي نشطتها بـ"سيلا23"، مساعدة الجزائر المستعربين الأفارقة؛ ماذا تقصد بالضبط؟

❊ نعم، الجزائر تهتم بالمستعربين الأفارقة، لكننا نريد اهتماما أكثر؛ فمثلا تخصيص المزيد من المنح الجامعية للذين يتحدثون باللغة العربية، وكذا تكريمهم، وهو أقلّ شيء يمكن فعله تجاه هؤلاء الذين يخدمون اللغة بكل قوة وسط صعوبات كثيرة، ووسط تجاهل من بعض الجهات في بلدانهم. وهكذا الجزائر الدولة الرائدة إفريقيّا، تكون قد كرّمتهم، ورفعت رؤوسهم، وتكون، بذلك، قامت ببادرة غير مسبوقة.

❊ في المداخلة التي قدّمتها في ملتقى المشترك الصوفي الجزائري ، انتقدت "سياسة" بعض زوايا الطرق الصوفية في جنوب صحراء إفريقيا، هل من اليسير تناول مثل هذا الموضوع؟

لا بدّ لنا من تفعيل مسألة المقاربة النقدية. ومن لا يفعل ذلك لن يتطور، وسيبقى على حاله، لكن يجب أن نتحلى بالنقد البنّاء؛ فمثلا نقول هذا الأمر "جيّد"، وآخر "حسن"، لكن لو أضفنا كذا وكذا سيصبح الأمر أفضل، ولا نقول إنّ هذا الأمر، مثلا، لا شيء وليست له أيّ قيمة.

لا نريد النقد الذي لا يبني؛ فيجب إبراز الأمور الإيجابية أيضا؛ فمثلا اهتمام الجزائر بالمستعربين الأفارقة من خلال دعوة بعضم، أمر جيد، لكن هناك نقائص نبيّنها.

❊ حسنا، هل يمكن أن يتخلص التصوف من تهمة الدروشة والفلكلور، وأن يتحول إلى تصوّف عصري؟

هذا الذي قلناه في مداخلتي بالملتقى الذي حضرته السيدة وزيرة الثقافة والفنون والمشيخة الصوفية. والرهان هنا أن تخرج المشيخة الصوفية من حالة الدروشة؛ فنحن لا نريد أن نعتبر التصوف تبركا وفلكلورا، بل نريده عصريا، وأن يتحلى بخطاب العقلنة، وأن يتواصل مع الناس خاصة النساء والشباب والمثقفين والفنانين، فلا يجب أن يبقى أهل التصوّف في الزوايا. كما إن إسلامنا لا يستقيم عموده بدعاء شيخ في زوايا المسجد، بل بالعمل، ومخاطبة الجماهير من الناس، والكشف عن آرائهم في شتى المسائل.

لا نريد تصوّف دروشة فقط، بل أن يكون التصوف عصريا. وأعيد وأكرر أننا بحاجة إلى أن يقدّم الصوفي رأيه في المواضيع التي تهمّ البلد والتواصل بالمثقفين، لهذا قلت في مداخلتي إن الغرب يحب المشيخة الصوفية، ويقول إنها تنادي بالإسلام المعتدل الذي لا يزعجهم. أما نحن فنريد للتصوف أن يكون له حضور قوي في مجتمعاتنا.