طباعة هذه الصفحة

سهرة لنصير شمة بـ ”الموقار”

شجن العود يضبط إيقاعات القافية ويحنّ للتراث

شجن العود يضبط إيقاعات القافية ويحنّ للتراث
  • القراءات: 3323
مريم. ن مريم. ن
عاش جمهور قاعة ”الموقار” سهرة أوّل أمس، ليلة العمر مع الفنان العراقي الكبير نصير شمة، الذي حمل الحضور إلى أجواء ”ألف ليلة وليلة” مروية على لسان أوتار العود الشجية؛ تلاحين مختلفة من مقامات وطبوع شتى، ومن سحر القوافي التي تحوّلت بالعزف إلى معالم موسيقية تقرأ لحنا.
دخل الفنان نصير شمة صديق الجمهور الجزائري محيّيا الحضور بأطيب الكلام، ولم ينس تحية فلسطين الجريحة من خلال عزف مقطوعة تحمل عنوان ”لغزّة ألف قبلة”، ظهر من خلالها شجن العود وغضبه أحيانا، لينتهي إلى معزوفة ”على دلعونة” من التراث الفلسطيني، الذي يبقى صامدا رغم كل شيء، ليتحدى الراهن المؤلم.
وقدّم الفنان برنامجه الذي يحمل عنوان ”عالم بلا خوف”.. هذا العالم الذي يأمن فيه الصغير والكبير وكلّ مخلوقات الله، ليدعو فرقته الموسيقية الإيقاعية والمتكونّة من ثلاثة عازفين جزائريين شكلوا معه نموذجا مثاليا من العزف المتكامل (هواري وفؤاد ويوسف)، إلى مرافقته في تقديم بعض أعماله الجديدة التي لم تنزل بعد إلى السوق، منها مثلا ”دينوس”، وفيها ظهر العود؛ وكأنّه يحدّث الجمهور مباشرة، وهو الأمر الذي فهمه الجمهور في حينه، فراح يصغي في صمت ورقي، ليواصل العود شكواه وأنينه ويصعّد من نبرته مع تعاقب المقاطع وتداخلها.
تبدّلت الأجواء تماما حين دخل العود بلد السودان، وذلك بفضل ”شمس النوبة”، وهي قطعة من السلالم الخمسة في موسيقى النوبة السودانية، وهنا بلغ العزف ذروته مع نصير، وتشكّل حوار مباشر بينه وبين العازفين، الذين لم يكونوا أقل إبداعا، وتَبيّن من العزف أنّ هناك سؤالا وجوابا بلغة الموسيقى يفصلهما توقّف طفيف لأحدهما كي يستمع للآخر، ثم اهتزت القاعة بالتصفيق والأهازيج مع إيقاعات النوبة الإفريقية الأصيلة.
عاد الهدوء مجدّدا من خلال عزف مقطوعة من رائعة فيروز ”أكتب اسمك يا حبيبي”، وقد حاول الأستاذ نصير إعطاءها بعدا وتريا غير محدود وفضاء أوسع من الهدوء، وتوقّف ليحدّث الجمهور قائلا: ”كان الشعر دائما ملهمي، وحاولت أن أحوّل الروائع التي أسمعها أو أقرأها إلى موسيقى لتقرأ هي الشعر بدل لغة الكلام، وهو ما فعلته مع هذه القطعة التي استلهمتها من أعمال الشاعر المجدد بدر شاكر السياب، الذي استحدث تفعيلة جديدة في الشعر العربي المعاصر، وسجّل قصائد من ذهب تؤرّخ للمنطقة العربية”، ثم قرأ بعض شعره كـ ”أنشودة المطر” و«أغرودة الخليج”. وتميّز عزف هذه القطعة بالرصانة والأسلوب الطربي الكلاسيكي، وبلغة موسيقية تمكّنت من قراءة الشعر عزفا.
وصل الفنان نصير إلى أرض الجزائر ليقدّم لها قطعة بعنوان ”الجزائر في عيوني” مستمَدة من رائعة ”يا الرايح” للراحل دحمان الحراشي، الذي وصفه بالعازف العبقري وبالخبير في بناء الجمل الموسيقية، ليؤدي مقاطع أخرى منها ”أسفار”، ”حالة وجد” و«النخيل” وغيرها.
كان الفنان قريبا جدا من جمهوره، محاورا وعازفا، وكان بالنسبة للحضور النجم الذي تمكّن طوال السهرة من شدّه وتحويل وجهته نحو مختلف أصقاع الموسيقى الراقية.
على هامش الحفل الساهر، التقت ”المساء” العازفين الثلاثة الذين عبرّوا عن سعادتهم بمرافقة هذا الفنان العراقي الكبير، الذي يُعتبر مدرسة فنية قائمة بذاتها، والبداية كانت مع العازف المتألق فؤاد لازري، وهو ضابط إيقاع معروف في الساحة الفنية العاصمية، وسبق له أن تعامل مع عدة فنانين كبار من الجزائر ومن الوطن العربي، حيث أشار إلى أنّه تدرّب مع نصير، خاصة على بعض المقاطع قبل الحفل. أمّا العازف قايدي الهواري عازف الرق (الطار) من مدينة وهران، فركّز على ضرورة الاحترافية في العزف، خاصة مع الفنانين الكبار، مؤكّدا أنّ العازفين الجزائريين أثبتوا إمكاناتهم على المستوى العربي والعالمي، وأصبحوا يرافقون النجوم المغاربة والعرب خاصة بكل تمكّن. وأضاف: ”نحن الثلاثة أصدقاء نكوّن تختا ونفهم بعضنا بالنظرة عندما نكون على الركح، ولنا اسمنا في عالم الفن، نتعامل خاصة مع الديوان الوطني للثقافة والإعلام ومع الإذاعة والتلفزيون”.
العازف الثالث كان يوسف قريم، ويتعامل مع عدة آلات إيقاع على الخشبة، ويرى أنّ هذه الآلات هي الأنسب للعود؛ إذ تكمّله وتنسجم معه.