"إدارة المخاطر في المتاحف" بقصر "خداوج العمياء"

المراقبة المستمرة والتكوين والتدخّل المناسب.. مفاتيح مواجهة الكوارث

المراقبة المستمرة والتكوين والتدخّل المناسب.. مفاتيح مواجهة الكوارث
  • القراءات: 315
مريم. ن مريم. ن

احتضن المتحف العمومي الوطني للزخرفة والمنمنمات وفن الخط بالقصبة السفلى، أول أمس، فعاليات ندوة علمية بعنوان "إدارة المخاطر في المتاحف وأحدث تقنيات الحفظ والعرض"، تناول فيها الخبراء المشاركون وسائل الحماية والتدخل خلال الكوارث لإنقاذ المعالم والقطع الأثرية، خاصة داخل المتاحف.

تناولت الدكتورة شادية خلف الله مديرة المتحف العمومي الوطني بسطيف، "طرق تأمين التراث الثقافي بالمتاحف"، بداية من الوقاية القبلية، وهي، حسبها، ليست من اختصاص المتحف وحده، بل تتشارك في هذه المهمة عدّة قطاعات، كما هي الحال في العديد من دول العالم.

وتوقّفت المتحدثة عند وسائل الحفظ والمراقبة؛ من ذلك مثلا أجهزة الإنذار، وتركيب الكاميرات، وشتى وسائل المراقبة، واستشعار الأخطار بصفة تكاد تكون يومية، مؤكدة أن أغلب الأخطار التي تهدد متاحفنا هي الحرائق، ثم الفيضانات، وكلها تأتي فجأة بدون سابق إنذار.

وبالنسبة للحرائق داخل المتاحف قالت إن أغلبها ناجم عن الشرارات الكهربائية. وأشارت إلى أن خطر الحرائق يمسّ أكثر تلك المتاحف التي بها أرشيف ورقي ومخطوطات ووثائق؛ حيث يلتهم لهب النيران الكثير، ذاكرة أيضا مخاطر أخرى منها خطر القوارض، التي هي، أيضا، تأتي على هذا الأرشيف المهم.

وقالت المتحدثة: "إذا لم يكن لك وسائلك الخاصة للتدخّل في الدقائق الأولى من الكارثة، فذلك مشكل عويص، ويُعد عجزا؛ لذلك لا بدّ من مخططات وآليات فعالة، من البديهي وجودها في أيّ متحف كان". كما أشارت الدكتورة شادية خلف الله إلى أن أغلب الكوارث حرائق منذ فترة التسعينيات، بعضها كان مدمّرا، داعيا بالمناسبة الإطارات والعاملين في المتاحف، إلى الالتزام بالتدابير الصحيحة؛ منها احترام مقاييس السلامة الكهربائية، كالتعامل مع المبردات، وعدم تركها تعمل بدون حد، خاصة بعد انتهاء مواعيد العمل، كذلك صيانة مآخذ وقواطع الكهرباء التي قد تشتعل أو تذوب بفعل الحرارة، خاصة صيفا، وغيرها من التدابير.

وتحدّثت المتدخلة عن اللقاءات مع الشركاء؛ من ذلك اللجنة الولائية، واللجنة الوزارية الخاصة بالأمن. وقالت إنها استقبلت المعنيين في متحفها بسطيف، وأعطتهم تقريرا عن الحالة. واقترحت الخبيرة إنشاء البوابة العازلة للنيران داخل المتاحف، وكذلك خزانات المياه غير الموجودة حاليا؛ ما يهدد الآثار الموجودة، خاصة أن أغلب الحوادث يكمن في الحرائق.

وتطرقت المحاضرة لخطر الزلازل على المتاحف، علما أن سطيف شهدت دمارها عبر حقبات مختلفة من التاريخ، وذلك أيضا يتطلب بعض التدابير الخاصة؛ منها وضع خزانات الحفظ والعرض الخاصة ذات الأبواب المهيأة، وكذا لصق القطع الأثرية بالرفّ أو مكان العرض؛ حتى لا تتزعزع وتسقط أثناء الزلزال، وبالتالي تنكسر.

وتوقفت المتحدثة عند قانون حماية التراث 98-04 الذي يعطي الإطار القانوني للعمل والمبادرة، مؤكدة أن التشريع الجزائري في هذا المجال، شامل؛ من ذلك تحديد التنظيم الداخلي للمتحف العمومي وملحقاته. كما تعرضت لعمليات الجرد والأرشفة والصور التي تحفظ هذه الممتلكات الثقافية الثمينة، سواء منها القطع الأثرية أو المباني والمعالم، وبالتالي حفظها، مشيرة إلى أن الجرد أهم عملية في أي متحف، ومشيدة بدور المحافظين في المتاحف من حيث التأمين والحفظ والجرد وغيرها، زيادة على وضعهم ملفات التأمين، علما أن مصلحة الأمن موجودة في كل متاحف الجزائر منذ سنة 2011.

وطالبت، بالمناسبة، بوضع مخططات الأمن الداخلي، وتحيينها كإجراء مهم، وتنصيب لجنة طوارئ داخل المؤسسات المتحفية، يترأسها مديرو المتاحف بالتعاون مع الطواقم التقنية وأقسام الوقاية والأمن، ناهيك عن تحديث المنظومة القانونية بما يتماشى والتطور الحاصل في هذا المجال، وكذا تأمين قواعد البيانات الخاصة بالممتلكات المتحفية بأحدث البرامج، مع توسيع شبكة البيانات.

من جانبه، عرض المحافظ الرئيس للتراث بالمدرسة الوطنية للصيانة والترميم الدكتور سمير دندن، محاضرة بعنوان "مخطط الصيانة في إدارة المخاطر للممتلكات الثقافية بالمتاحف"، تناول فيها التدابير، وردود الفعل المناسبة التي تلي الكوارث والأخطار، وبالتالي تحديدها وتسييرها، مؤكدا أن الخطر بنسبة الصفر لا يوجد طبعا، وبالتالي فإن التراث يواجه الأخطار؛ ما يتطلب، حسبه، المزيد من التحسيس، متطرقا للمقاييس المتبعة في هذا المجال، والتي هي نفسها عبر دول العالم، مستعرضا الأخطار الناجمة عن الحوادث والظواهر؛ منها الطبيعية والتكنولوجية، وتلك المتعلقة بالنشاط اليومي، حاثا على تفعيل دور الأمن الداخلي للمتاحف المنوط بالخبراء المؤهلين، وكذا التنسيق مع شركات التأمين هذه، التي اعتادت، كما قال، أن تؤمّن البنايات فقط بدون المجموعات المتحفية.

وبالنسبة للمخططات، دعا المتحدث إلى وضع مستويات لها حتى يتم استغلالها حين الكوارث؛ بمعنى التدخل وفق المستوى المحدد، وطبق التخصصات وليس بشكل فوضوي يزيد الوضع تأزما وخطورة؛ أي "من يفعل ماذا؟"، و"من المسؤول عن ماذا؟"، وهذا يتطلب التكوين العالي للمختصين، ليستعدوا للحظة الحاسمة، وليقرروا من له أهلية التدخل لحماية المجموعات.

المحاضرة الأخيرة قدّمتها محافظة التراث بالمتحف العمومي الوطني للفن المعاصر والحديث الأستاذة كهينة بودجة، وكانت عن "مخطط الصيانة في إدارة المخاطر للممتلكات الثقافية بالمتاحف"، والتي ركزت على أهمية العمل الجماعي، وعلى استراتيجية حماية هذا التراث، الذي هو ملك أيضا لأجيال المستقبل، خاصة في الظروف التي يعيشها عالم اليوم.

واستعرضت المتدخلة مخطط "تراثي"، وهو منصة رقمية تخص مواجهة ظاهرة التهريب، والاتجار غير الشرعي بالممتلكات الثقافية، والتي تم إنجازها بالتعاون مع سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في الجزائر. وتُعد دليلا لصور رقمية، تسمح بتعزيز استراتيجيات حماية وترقية المجموعات المتحفية والمكتبية من خلال إعداد مشاريع الرقمنة والتكوين.كما استعرضت المتدخلة بعض الكوارث التي مرّت على الجزائر؛ منها فيضانات باب الواد في 2011، وزلزال 2003 مع بعض الحرائق التي مسّت المتاحف؛ كمتحف التقاليد الشعبية؛ ما يستوجب وضع استراتيجية حماية كاملة، مستشهدة بفرنسا التي كثفت التكوين والحفظ بعد احتراق كاتدرائية باريس، حاثة على سرعة القرار والتدخل في حال الكوارث، وبالتالي التحرك المناسب، مع تدريبات تحاكي هذه الكوارث؛ استعدادا لها.