الدكتور أحمد رميتة يحاضر بالمكتبة الوطنية:

المجتمع الجزائري في أغلبه غير منتج

المجتمع الجزائري في أغلبه غير منتج
  • القراءات: 1018
لطيفة داريب لطيفة داريب
أكّد الدكتور أحمد رميتة أنّ غياب مجتمع مدني ذي مصداقية في الجزائر يعود إلى عهد الاحتلال، الذي حطّم المؤسّسات التي لعبت دورا تاريخيا في التنظيم الاجتماعي، ولاعتماده أيضا على الريع ليفشل في لعب الوساطة بين الفرد والدولة، وبالتالي عدم قدرته على امتصاص العنف الاجتماعي.
عاد الدكتور أحمد رميتة في محاضرته ”المجتمع المدني الجزائري، واقع وآفاق” التي نشّطها أوّل أمس بالمكتبة الوطنية، إلى تاريخ تأسيس المجتمعات المدنية، فقال إنّها لعبت دورا كبيرا في عهد تفتّح السوق وتحوّلها إلى ليبرالية؛ حيث ركّزت على العلاقات الفردية بعيدا عن كلّ تميّز، وأصبحت تقوم بالتنظيم الاجتماعي في المجتمع، مضيفا أنّ مفهوم المجتمع المدني تضاءل كثيرا مع الأنظمة الاشتراكية؛ حيث حاولت الدولة أن تعوّض الفرد في جميع المجالات، ولكنها فشلت في خلق ديناميكية اجتماعية فعّالة.
وأشار المحاضر إلى أنّ مفهوم المجتمع المدني وصل إلى الدول العربية في بداية التسعينات؛ حيث ظهرت نخبة تدير المجتمع المدني، إلاّ أنّها عرفت جملة من الصعوبات، لينتقل الدكتور إلى حالة المجتمع المدني في الجزائر، التي قال إنّها متردية بسبب تفكّك المؤسّسات التي كانت تسيّر المجتمع قبل الاستعمار الفرنسي للبلد، وهي القبيلة والزوايا والتنظيمات الحرفية والعلماء والفقهاء، وكلّها كانت تنظّم حياة الفرد، وتلعب دور الوسيط بين المجتمع والدولة، خاصة في قضايا الضرائب.
وأضاف المتحدث أنّ هذه المؤسّسات تعرّضت للتفكيك العنيف من طرف المحتل الفرنسي، الذي أدخل على الجزائر نظاما إداريا جديدا، ولكن الجزائريين استطاعوا أن يعوّضوا ما هُدّم بتشكيل تنظيمات رياضية وفنية وإعلامية، أخذت شكل المجتمع المدني الغربي، إلاّ أنّها حملت الهوية الجزائرية بأتم المعنى.
وواصل الدكتور محاضرته قائلا إنّ المجتمع المدني بعد الاستقلال لم تعد له شرعية ولا مصداقية؛ حيث يتلقى التمويل من الدولة المركزية، لتحدث القطيعة ويفشل المجتمع المدني في لعب دور الوساطة، خاصة أنّه يستفيد من أموال الريع؛ فلم تعد الجمعيات، مثلا، تقترح وتقدّم الحلول، وهكذا فقدت الشرعية، ولم تستطع أن تمتص العنف الاجتماعي ولا أن تردّ على الاحتجاجات الاجتماعية.
وتوقف الدكتور عند نقطة تتمثّل في تنصل المواطن الجزائري عن دوره في المبادرة، ليقدّم مثالا عن تسيير الأحياء؛ حيث يبادر مواطنان اثنان على أكثر تقدير، بالاتصال بالبلدية وجهاز الأمن لإدارة الحي، بينما يكتفي البقية بتقديم المال فقط من دون الانغماس في النشاطات الواجب القيام بها على مستوى الحي.
وأشار رميتة إلى أنّ المجتمع الجزائري في أغلبه، غير منتج؛ حيث إنّ جزءا كبيرا منه كان يعيش على التجارة والبداوة ولم يهتم بالفلاحة، إلاّ أنّه عرف معنى العمل في عهد الاستعمار، ليعود بعد الاستقلال إلى ذهنيته الثقافية؛ حيث كان تحت تسيير القبيلة التي كانت تزوّج الفرد وتوفّر له العمل، وهكذا لم تظهر في اللاحق مصالح فردية تنصهر في تنظيمات اجتماعية وتشكّل مجتمعا مدنيا بامتياز.
بالمقابل، تحدّث الدكتور عن تغيّر الوضع الدولي؛ حيث لم تعد هناك دول تتحكّم في مجتمعاتها بصفة كلية، بل أصبحت تواجه منظمات رسمية وغير رسمية، تتدخّل في سياساتها خاصة في مجالات البيئة وحقوق الإنسان.
وفي الأخير، تساءل رميتة عن الجانب الاجتماعي للفرد، الذي يعيش في مدينة مثل الجزائر العاصمة، تغلق أبوابها عند السابعة مساء، مضيفا: ”كيف يمكن للفرد أن يسعد وهو منحصر بين عمله وبيته، ولا يمكنه أن يتلذّذ بالجانب الاجتماعي الآخر للحياة، مثل ارتياد قاعات السينما، المسارح والمطاعم؟”.