مسار الدبلوماسية الجزائرية

المجاهد محمد مقراني يقدّم شهادته

المجاهد محمد مقراني يقدّم شهادته
  • القراءات: 1012
حنان سالمي حنان سالمي

يشير التاريخ إلى محطات مضيئة لمسار الدبلوماسية الجزائرية، وكيف أن عبقرية الحركة الوطنية مكنتها من الانفتاح على العالم الخارجي بخطوات ثابتة ومدروسة بدقة؛ ما سمح لها بالشروع في تحسيس الرأي العام العربي ثم الدولي، بالقضية الجزائرية. وعن هذا الموضوع انعقدت ندوة تاريخية ببومرداس من تنظيم مديرية المجاهدين، بالتنسيق مع الإذاعة المحلية؛ إحياء لليوم الوطني للدبلوماسية المصادف للثامن أكتوبر من كل سنة.

خلال الندوة قدّم المجاهد والدبلوماسي محمد مقراني، عرضا حول بداية الدبلوماسية الجزائرية، التي برزت بعد تأسيس الجامعة العربية في 1948، حينما فكر القادة المغاربة في تأسيس مكتب يمثل المنطقة، أُطلق عليه مكتب المغرب العربي، وكان مقره القاهرة، مثله عن الجانب الجزائري الشيخ البشير الإبراهيمي الذي كان ذائع الصيت في الوطن العربي، ثم انضمت مجموعة أمثال أحمد بن بلة وحسين آيت أحمد ومحمد خيضر للمكتب، وكانت مجموعة نشيطة.

وأشار الدبلوماسي السابق إلى أنه خلال 1953 و1956 برز التفكير في تمثيل الجزائر لدى بعض البلدان العربية، فأُرسل كل من أحمد محساس إلى تونس، وأحمد بودة ومحمد الصديق إلى طرابلس، وعُيّن توفيق المدني بالقاهرة، وعبد الحميد بدمشق، وعباس الحسني بالعربية السعودية.

وحسب المجاهد فإن هؤلاء المناضلين كان يعوَّل عليهم جميعا لحشد الدعم للثورة التحريرية، مشيرا إلى أن الدبلوماسية الجزائرية عرفت منحى قويا آخر في 1955، لما شاركت الجزائر بمؤتمر باندونغ لدول عدم الانحياز بحضور حسين آيت أحمد بمعية امحمد اليزيد، حيث كان سفرهما بجواز سفر دبلوماسي تونسي أو مغربي، من أجل إسماع صوت الجزائر في هذا المحفل العربي الهام.

بعدها سارت الدبلوماسية على نفس المنهاج. وأكد المحاضر أن حضور ممثلي الجزائر كان ثقيلا. وقال إنه بعد تأسيس الحكومة المؤقتة تم تعيين مبعوثين آخرين إلى دول إفريقية، لا سيما غانا (فرانتز فانون) وغينيا (عمر اوصديق) ومالي (بوعلام اوصديق)، وكذا بكل من أندونيسيا؛ بتعيين الأخضر الإبراهيمي، وشريف قلالة بنيودلهي.

وقد أسهب المجاهد محمد مقراني الذي شغل منصب ملحق دبلوماسي بسفارة الجزائر بالقاهرة مطلع الاستقلال، في الحديث عن هذه المحطات التاريخية؛ وكأنها حدثت بالأمس القريب فقط. كما حرص على توثيق كلامه ببعض الصور، التي تبقى شاهدة على محطات خالدة من صفحات الدبلوماسية الجزائرية، التي تأسست خلال حقبة تاريخية ذهبية وبقيت مستمرة إلى اليوم، وهي شاهد حقيقي على كل التغيرات والمتغيرات التي عرفها العالم، لا سيما العالم العربي والقارة السمراء، وخاصة دول الجوار.

وفي هذا الشأن، أفاد، من جهته، الباحث والأكاديمي الدكتور عامر رخيلة خلال نفس اللقاء، بأن حنكة الدبلوماسية الجزائرية بداية خمسينيات القرن الماضي، مكنت من افتكاك الوطنيين مقاعد هامة تمثل بلدهم الجزائر في كبرى المحافل الدولية في نفس الحقبة، حيث أشار إلى ما أسماه انتصارا كبيرا للدبلوماسية الجزائرية بحضور الجزائريين ضمن وفد مغاربي بدعم من مصر، مؤتمر عدم الانحياز في 1955، ثم مؤتمر الصومام في 1956 الذي زوّد الثورة التحريرية بأرضية متكاملة المجالات سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وماليا، وحتى إعلاميا. كما انعقد عنه المجلس الجزائري للثورة.. ثم طُرحت مسألة تمثيل الجزائر ككيان قائم.

وواصل الدكتور رخيلة سرد أهم تواريخ الدبلوماسية الجزائرية والانتصارات التي حققتها على الصعيدين العربي والعالمي إبان الثورة التحريرية؛ حيث توالى تمثيل الجزائر بأسماء ثقيلة لشخصيات مازال التاريخ يذكرها، ليتحدث بعدها عن مرحلة ما بعد الاستقلال.

وقال المحاضر إن الجزائر ظلت تقوم بدبلوماسيتها على محددات سياسية، وفي السياسة يعرف بأن الثابت والمتغير الوحيد لذلك، فإن الجزائر ظلت على هذا الموقف رغم التغيرات الكثيرة التي طرأت على المحيطين الإقليمي والقاري، وخير دليل ـ يضيف رخيلة ـ ما يجري اليوم بدول الجوار وبالمشرق العربي، حيث أكدت الأحداث أن مواقف الجزائر هي بمثابة حلول، والدليل ما يقع اليوم بليبيا؛ حيث أثبتت جميع المواقف أن الحوار هو الطريق لإيجاد حل للإخوة الفرقاء.