الشاعر لحسن الواحدي:

المثقف لسان حال أمته له دور في تكوين وعيها والدفاع عن كينونتها

المثقف لسان حال أمته له دور في تكوين  وعيها والدفاع عن كينونتها
الشاعر لحسن الواحدي
  • القراءات: 936
❊ حاوره: عيسى بوذراع ❊ حاوره: عيسى بوذراع

في تصريح خصنا به، يرى الشاعر لحسن الواحدي أن الأمة العربية تواجه الكثير من التحديات في شتى مجالات الحياة، وتشهد تهاويا مخيفا غير مسبوق في مسيرتها الحضارية التي أسستها منذ العصور الوسطى، مرده عوامل داخلية وخارجية أفرزت وضعا معقدا، ليس من السهل تشخيصه في عجالة أو حصره في زاوية معينة، فالتشتت الذي تعيشه الدول العربية سياسيا واقتصاديا أدى بالضرورة إلى الضعف وفقدان التأثير في العالم، وانعكس سلبا على المشهد الثقافي الذي باتت اللغة الحزينة، لسانه الوحيد المعبر عن آهات الشعوب وجراحها وآمالها في حياة أفضل، ومعظم المثقفين العرب يتفاعلون مع هذا الوضع المؤلم بشتى ألوان التعبير من الأدب والفنون وغيرهما، ولا يكاد مثقف عربي واحد لا يعبر عن هذه الآلام والمآسي، ويحمل حلم الرجوع إلى العصور الزاهية والأمجاد المفقودة، وهذا حسبه، يفرض عليه مواكبة هذه الحركية والتفاعل معها، ويرى أن الشاعر معبر عن واقع ما، يفرض عليه نقله ووصفه للأجيال القادمة، على غرار ما فعله الشعراء في العصر الجاهلي، فالشاعر حسب تصوره، شاهد على عصره وبيئته، لذلك تجده يعبر عن كل حدث بقصيدة تصوره وترويه للأجيال القادمة.

الأستاذ الشاعر الكاتب المسرحي لحسن الواحدي، جمعنا به لقاء ببلدته الجميلة الحامة، أو كما يحلو للبعض تسميتها بـ«مكة الصغيرة، لتواجد عدة زوايا بها، ومحافظة أهلها على الطرق القديمة في تحفيظ القرآن وتعليم أصول الدين إلى اليوم، وهي واقعة جنوب ولاية سطيف وتتبع لها إداريا، تبعد عنها بـ75 كلم، ونقلنا لكم هذا الحوار معه.

في المستهل، نريد معرفة من هو الشاعر لحسن الواحدي، الإنسان، الشاعر، الأستاذ مربي الأجيال؟

** لحسن الواحدي من مواليد الحامة، جنوب ولاية سطيف، في بداية السبعينات، أنحدر من عائلة شريفة أنجبت العديد من الشعراء والعلماء المتخصصين في العلوم الشرعية، جدي كان عالما متصوفا شارك إلى جانب 11 فارسا من القرية، في المقاومات الشعبية للشيخ المقراني 1871م، وهو شهيد هذه المقاومة. ترعرعت في جو روحاني مفعم بحب الزهد والتعلم، مكنني من بداية الكتابة في سن مبكرة، حيث نشرت قصائدي في الجرائد وعمري سبعة عشرة سنة، كتبت للصغار والكبار، أصدرت أول ديوان للأطفال أناشيد طفولة، وديوان ثان واحة البراعم، وديوان ثالثترانيم، وخضت تجربة الكتابة الشعرية المسرحية، فأصدرت ثلاث مسرحيات شعرية قصيرة؛ حوار الشهور، زهرة الحقل، نصيحة طفل ومسرحية تاريخية اليوم العصيب. أملك عدة دواوين مخطوطة، آخرها ديوان من وحي عين ولمان، تمت دراسة دواويني في رسائل تخرج بعدة جامعات جزائرية.

يتسم شعري بالبساطة والعمق وتنوع أغراضه وموضوعاته، والقارئ لشعري يجد علاقة وطيدة بين أفكاري كشاعر ومرب للأجيال، وقد أنتج هذا التزاوج قدرة شخصية على الكتابة للطفل، لأن وظيفتي كأستاذ، خدمت موهبتي الشعرية، فأخرجت ديوانين للأطفال، أثريت بهما عالم أدب الطفل الذي يعتبر ميدانا هاما في بناء رجال الغد.

يعرف لحسن الواحدي في الوسط الثقافي على أنه شاعر جيد النظم، ولعل ديوان من وحي عين ولمان خير دليل على مسيرة توجت بالنجاح، في المقابل، ما أنجزته من أعمال ذات قيمة علمية وفنية في المسرح وأدب الطفل، تبقى غير معروفة، أليس كذلك؟

❊❊ رغم غزارة إنتاجي الشعري وتنوع ميادينه، فإنني لم أنشر سوى القليل منه، لأسباب مختلفة، منها واقع النشر في بلادنا وصعوبته، فقد أنتجت أكثر من 20 ديوانا شعريا، بعضها للأطفال، وفي المسرح الشعري، كتبت عدة مسرحيات نشر البعض منها، ولعل أهمها اليوم العصيب التي تتناول مرحلة الاحتلال الفرنسي، وهي عمل متفرد لم يسبقن إليه أحد، حسب المتخصصين، لأنها تناولت مرحلة طويلة بقالب شعري، علاوة على مسرحيات قصيرة أخرى موجهة للأطفال، أما ديوان من وحي عين ولمان، فهو عبارة عن قصائد خصصت بها مدينة عين ولمان التي احتضنت بداياتي الشعرية الأولى، ومعظمها قصائد ألقيت بهذه المدينة من خلال مناسبات ثقافية، أهمها الملتقى الوطني الذي تنظمه جمعية العلماء سنويا.

أما إنتاجي، فهو متنوع الأغراض والأشكال، لكنني ملتزم في كتاباتي الشعرية بالبحور الخليلية، وأعتقد أنني استطعت أن أسبغ قصائدي بلوني الخاص، خاصة في الشعر السياسي الذي أعتبر نفسي أحد رواده في الجزائر، حسب شهادات النقاد.

حسب تتبعنا للشأن الثقافي والأدبي، خاصة في الجزائر، نجد أنك صاحب إنتاج شعري غزير، نكاد نقرأ لك قصيدة كل يوم، هذا ما لا نجده في شعراء عصرك، ما السر في ذلك؟

** هذه ميزة أخرى أكاد أنفرد بها عن أقراني على الأقل، فأنا أرى نفسي تكملة لشعراء تركوا إنتاجا ضخما، على غرار ابن الرومي والجواهري وشوقي والبردوني، لكن غزارة إنتاجي لم تؤثر أبدا على جودة ما أكتبه، وهذا مرده إلى نوعية تكويني اللغوي والفكري، فقد كتبت للطفل وكتبت الشعر المسرحي، كما كتبت الشعر بكل أغراضه وأشكاله، والقارئ لا يجد تكرار ولا إطنابا، بل إن النقاد يجمعون أن قصائدي مختلفة من حيث الموضوع والفكرة والمستوى الفني، وعلاوة على ما ذكرت، هناك وضع خاص تمر به الأمة العربية والمجتمع الجزائري، يفرض عليّ كشاعر مواكبة هذه الحركية والتفاعل معها، وأرى أن الشاعر معبر عن واقع ما، يفرض عليه نقله ووصفه للأجيال القادمة، على غرار ما فعله الشعراء في العصر الجاهلي، فالشاعر حسب تصوري، شاهد على عصره وبيئته. لذلك تجدني أعبر عن كل حدث بقصيدة تصوره وترويه للأجيال القادمة.

لفت انتباهنا في الآونة الأخيرة، إقبال الشباب على الكتابة بأعداد هائلة، فمن هذا الجانب، يبدو أن الأمر يسير في الطريق الجيد، لكن في المقابل، منذ فترة لم نر بروز أسماء أدبية على الساحة العربية والدولية، كما في السابق، ما سبب ذلك في نظركم؟

** أعتقد أن الجيل الحالي لا يمتلك العمق في التجربة، لذلك لا يستطيع إخراج أسماء كبيرة كما ذكرت، لكن الإعلام غير المهتم والمقروئية الضعيفة سبب هذا الوضع القائم، لكن القدرة والموهبة موجودتان رغم كثرة الإنتاج الذي يفتقر للجودة في معظمه، بسبب اختلاط الأصوات وكثرتها وافتقار الساحة إلى نقد حقيقي، يحكم بين ما ينتج ويرفع الجيد ويخفض السيئ.

تأثر بعض الكتاب بالأدب الغربي، أثر بشكل سيء في مستوى النص الفني وجودته الفكرية، ففي مجال الشعر، انتشر ما يسمى بالشعر النثري الذي مكن الجميع من الإدعاء الشعري، وهو جنس أدبي غريب عن الأدب العربي.

يعيش الأدب ويتطور من مرحلة إلى أخرى، من الطفولة إلى الكهولة، وإلى الشيخوخة والانهيار، فيعقبه تجدد ونهوض، في أية مرحلة نحن الآن؟

❊❊ فعلا، يمر الأدب بمراحل عمرية مختلفة، مثل الإنسان، غير أنه يتجدد بعد الانحطاط، وينطلق بعد الكبوة والأدب في الجزائر، يختلف عنه في مناطق أخرى بحكم التنوع الثقافي واللغوي في الجزائر، فالأدباء الجزائريون يكتبون بعدة لغات، ولهم عدة توجهات ومشارب، لذلك صورة الأدب الجزائري لا يمكن أن نعمم الحكم عليها، فما نراه على مستوى الشعر غير ما نراه على جنس أدبي آخر، كالرواية، والشعر نفسه يختلف الفصيح عن الملحون والعربي عن الأمازيغي، وخلاصة، أقول إن الأدب في الجزائر متعدد الصور والأشكال، وهو ما يجعلنا ملزمين بدراسة كل صورة على حدة.

تعيش الأمة العربية توترات سياسية أثرت سلبا على المشهد الثقافي، كيف ينظر الشاعر إلى حسن الواحدي لهذه الأوضاع؟

** لاشك أن الأمة العربية تواجه الكثير من التحديات في شتى مجالات الحياة، وتشهد تهاويا مخيفا غير مسبوق في مسيرتها الحضارية، التي أسستها منذ العصور الوسطى، مرده عوامل داخلية وخارجية أُفرزت وضعا معقدا ليس من السهل تشخيصه في عجالة أو حصره في زاوية معينة، فالتشتت الذي تعيشه الدول العربية سياسيا واقتصاديا، أدى بالضرورة إلى الضعف وفقدان التأثير في العالم، وما تعانيه الأقطار العربية دون غيرها خير دليل، علاوة على الأزمات المتلاحقة والعميقة التي تواجهها الشعوب العربية، وصلت إلى درجة تهديد كيانها وأصبح الصوت العربي آخر الأصوات في العالم، وهو الصوت الذي كان مؤثرا عبر سنوات طويلة ماضية، وهو ما أدى إلى غياب تام عن صناعة الحياة والمساهمة في القرارات العالمية، ولا ننسى العامل الخارجي الذي كان الفاعل الأول في خلق هذا الوضع المتأزم، ولا زالت الأراضي العربية، مسرحا لصراعات القوى العظمى الرامية إلى استغلال مقدرات الوطن العربي المغلوب على أمره، والمعرض إلى الاحتلال الصهيوني والأمريكي والأوروبي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، والذي أفرز هوانا للدم العربي الذي يراق دون غيره حاليا، فحيثما وجهت وجهك في هذا الوطن الجريح، رأيت الخراب والدمار والضحايا، وهذا الوضع انعكس سلبا على المشهد الثقافي الذي باتت اللغة الحزينة لسانه الوحيد المعبر عن آهات الشعوب وجراحها وآمالها في حياة أفضل، ومعظم المثقفين العرب يتفاعلون مع هذا الوضع المؤلم بشتى ألوان التعبير من الأدب والفنون وغيرهما، ولا يكاد مثقف عربي واحد لا يعبر عن هذه الآلام والمآسي، ويحمل حلم الرجوع إلى العصور الزاهية والأمجاد المفقودة.

أين دور من المثقف في مثل هذه الظروف، ولنا تجارب ماضية إيجابية، استطاعت من خلالها النخب العربية توظيف أقلامها إلى البندقية لصالح شعوبها وأوطانها؟

❊❊ المثقف لسان حال أمته وترجمان آمالها وآلامها، وهو الناقل لأمانيها والمعبر عن تطلعاتها والحامل لهمومها، وكان للمثقف دور هام في تكوين الوعي ونشر الفكر السليم، والاضطلاع بمهمة التوجيه والدفاع عن كينونة الأمة ومصيرها وحريتها، والمثقف لا تحكمه الحدود التي وضعها الاحتلال الغربي، لأنه يعتبر الأمة العربية كلها أسرته التي يدافع عنها، ويسعى إلى ردها إلى مسارها الصحيح، ولا نجد مثقفا عربيا واحدا لا يتحدث عن مأساة فلسطين أو اليمن أو الشام، وهذا موروث من جيل إلى جيل، وخير دليل ما وجدته الثورة الجزائرية من تعاطف من طرف شعراء العراق وسوريا ومصر وبقية الأوطان العربية، لأن العقيدة التي يحملها أي مثقف مبنية على وحدة مصير الشعوب العربية، مهما كان انتماؤهـا الجغرافي، وعلى حريتها واستقلالها التام.

هل من كلمة ختامية للقائنا؟

❊❊  كلمة تحمل أملا وثقة في إشراق فجر جديد على بلادنا، التي تمر بمرحلة استثنائية، نتطلع بعدها إلى وضع جديد وتغيير جذري نتقاسم فيه الأحلام والآلام، ونبني وطنا حلم به الشهداء وحلمت به الأجيال التي حملت المشعل من بعدهم، وفق مشروع نهضة وطنية شامل متكامل، تقوده حركة ثقافية جادة وواعية، ولن يتحقق ذلك إلا بالاهتمام بالمبدعين والأخذ بأيديهم وتسخير الطاقات المادية والمعنوية لهم، حتى نرجع للفعل الثقافي قيمته التي تليق به.