الكاتب مراد عمرون لـ «المساء»:

الكتابة رسالة ومسؤولية

الكتابة رسالة ومسؤولية
  • القراءات: 3809

لا يتوقف الكاتب مراد عمرون عن الكتابة، ولا تثنيه عن ذلك مهامه كمدير منطقة الجزائرية للمياه (البليدة والمدية). وها هو اليوم بصدد وضع اللمسات الأخيرة لكتاب جميل حول محمد الصالح الصديق، الذي سبق أن سلّم عملين عنه لدار نشر بالعربية والفرنسية، إضافة إلى نصوص مسرحية موجهة للأطفال، مع العلم أن في رصيد كاتبنا العديد من المؤلفات من روايات ودراسات، خاصة أنه يولي للكتابة أهمية كبيرة باعتبارها رسالة ووسيلة لبناء المجتمع. وفي هذا التقت «المساء» بالكاتب مراد عمرون في مكتبه، فكان هذا الموضوع.

الكتابة رسالة

يُقدس الكاتب مراد عمرون الكتابة، كيف لا والله خالق كل شيء، أقسم بها في قرآنه العظيم، ويعتبرها رسالة نبيلة يقدّمها الكاتب للمجتمع. فالكاتب، حسبه، ليس مجرّد شخص يمسخ كلمات على الورق، بل هو إنسان ينتمي إلى النخبة ويساير المجتمع في البداية، ومن ثم يحاول تغييره، كيف لا وهو الذي ينظر إليه بشكل مختلف عن سائر الناس.

تأسف عمرون لحال بلدنا وكل هذا التدني والتدهور الذي يعيشه مجتمعنا، وكيف أننا أصبحنا نستورد كل شيء من الغرب، ولهذا يؤكد كاتبنا ضرورة أن يحرّك الكاتب الوضع، ويساهم في التغيير من خلال العمل المضني والمتواصل. واعتبر أنّ الكثير من كتّابنا لا يقومون بهذه المهمة، بل يسعون إلى الشهرة وجني المال، ليتساءل: «ما هي الرسالة التي تقدمها الكاتبة أحلام مستغانمي من كتاباتها؟». وأضاف: «كاتبة لم تشأ أن تغير من أسلوبها الموجه للمراهقين، والذي لا أرى فيه فائدة تُذكر، وهي حال كتّاب آخرين يكتبون ما يريده المجتمع، أي كتابات غرامية لا عمق فيها ولا مصلحة للمجتمع»، ليعود ويؤكد الدور التربوي والتوعوي للكاتب.

هل الكتابة بالنسبة لعمرون إبراز للحقائق أم استشراف للمستقبل أم استخدام للخيال؟ يجيب عمرون بأن الكتابة جميع ما ذكر، وأبعد من ذلك فهي التي أقسم الله بها نظرا لأهميتها وخلودها، فما يكتب لا يندثر حتى ولو أحرقنا الكتب إلا أن أثرها باق، واستشعارها أكيد ولو بعد زمن طويل.

وتساءل عمرون: «ماذا لو كل كاتب حكّم ضميره وكتب ما يفيد المجتمع؟»، وتساءل مجددا: «ماذا لو كان الهدف من كل كتابة توجيه رسالة؟ الهدف منها بناء المجتمع؟»، ليجيب: «لو حدث ذلك لكان مجتمعنا في حال أفضل بكثير مما عليه الآن»، لينتقل إلى موضوع مرتبط جدا بالكتابة، وهو القراءة، ويتحسر على النسبة الضعيفة للمقروئية في الجزائر، ويتساءل عن سبب عزوف الجزائري عن القراءة، و عن توفر الكتب من عدمها في بلدنا.

هيَّ لنهتم بالعلم وننفض الغبار عن علمائنا

تأسف صاحبنا عن اتخاذ شبابنا فنانين قدوة لهم بدلا من علماء، مشيرا إلى وجود فرق شاسع بين شباب الأربعينات والخمسينات وحتى السبعينات وشباب اليوم من حيث اهتمام شباب الأمس بالعلم، أما شباب اليوم فيهتمون بشهادة تؤهلهم لمنصب عمل حتى إن لم يتعلموا شيئا. وأضاف: «كم من حصة تلفزيونية تتناول الفكر والعلم؟ أرى أن القنوات تبث الكثير من البرامج حول الأكل وكأننا جوعى، في حين تتجاهل العلم! حقا جيلنا مسؤول عن حال الشباب».

وتطرق الأستاذ للعلماء الجزائريين الذين نجهل سيرتهم، مثل العلامة فضيل الورثيلاني الذي كتب عنه مراد، وقال إنه كان يمثل ابن باديس في الإمامة والتدريس حينما كان يغيب، كما درّس في الأزهر، وكان مستشارا دوليا للإمام يحي في اليمن، ليضيف أن لا أثر لهذه العلامة في المناهج التربوية، شأنه شأن الكثير من علمائنا، ولهذا أنجز كتابا عن هذا العلامة، وموسوعة عن مشاهير الجزائر، ممثلا بمنطقة القبائل التي تضم 1800 قرية تضم مساجد عتيقة، وكيف تخرجت نخب من هذه البلاد وذهبت إلى بلدان أخرى، فأصبحت نبراسا هناك.

«يمكن تصدير الأمازيغية لو ربطناها بالعلم»

عن الأمازيغية ودسترتها في الجزائر قال عمرون إنه يجب أن نكتب بهذه اللغة مع الاتعاظ من الأخطاء المرتكبة في النصوص الجزائرية المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية، «فلا يجب أن نكتب من أجل الكتابة، لأن وراء كل كتاب رسالة أو موعظة، خاصة أننا ـ يضيف الكاتب ـ لم نصل بعد إلى درجة الاكتفاء الذاتي، فنحن نستورد كل شيء، ولهذا يجب أن نحقق اكتفاءنا، ونستعين بالعلم ونضع الشخص المناسب في المكان المناسب».

ودائما عن الأمازيغية قال المتحدث إنها تحتاج إلى رجال يخدمونها، وقد تصبح في يوم ما لغة نستوردها بعد أن نسلحها بالعلم، معتبرا أنها تحتاج إلى سواعد رجال لا يخدمونها لأجلها فقط بل لأجل البلد برمته. كما تفاءل بإنشاء أكاديمية خاصة بهذه اللغة، وبهمة شباب يستخدمون التكنولوجيات.

وحث الكاتب المؤرخين على الاهتمام بتاريخ الجزائر، مشيرا إلى أن الكثير من الشباب لا يعرفون تاريخهم. وفي هذا السياق، يسعى عمرون إلى كتابة رواية باللغة الفرنسية عن أحداث الثامن ماي 1945، لأنه يعتبر أن الأسلوب القصصي يمس الشباب أكثر من كتابة كتاب تاريخي.

ضرورة أن يكون الكاتب متخلقا

في إطار آخر، أكد عمرون ضرورة أن يكون الكاتب متخلقا، مستشهدا بحديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي قال: «أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم خلقا»، مضيفا أن «قضية الأخلاق تمس عامة الناس فما بالنا بالكاتب صاحب الرسالة. وأوضح أن الكاتب قدوة، ولهذا يجب أن يكون متخلقا، وهو ما لا يراه في العديد من الكُتّاب.

أما عن موضوع التقشف في الثقافة والذي صرح به وزير الثقافة في أكثر من مرة، فقال عمرون إنه يرفض التقشف في الثقافة والعلم، ويدعو إلى ذلك في الأكل والمشرب والملبس وأمور تهتم بالمقتنيات، إلا أنه من المستحيل أن نفكر في التقشف في أمور العلم والثقافة. ويضيف: «نجد اليوم في مساجدنا أفرشة وزرابي باهظة الثمن ومكيفات وغيرها، وفي نفس الوقت لا تمتلئ بالمصلين إلا يوم الجمعة، عكس ما كان يحدث في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، حينما كان المسجد بسيطا لكنه كان معتمرا بالمصلين، ومركزا للقيادة العسكرية ومنارة للعلم». كما اعتبر عمرون أن التقشف لا يمكن أن يكون في العلم والدين والثقافة، فالثقافة العلمية التي تنير العقول ليس فيها حدود.

كتابات باللغتين العربية والفرنسية

بالمقابل، ينتقل الكاتب مراد عمرون في الكتابة بين اللغتين العربية والفرنسية بسهولة مطلقة، كما إنّ له نصوصا باللغة الأمازيغية، والبداية كانت برواية «الدمعة الجامدة» التي كتبها بالفرنسية حينما كان مسؤولا عن منطقة الجزائر للمياه بسطيف، إلا أنه سرعان ما انتقل إلى الكتابة باللغة العربية، حينما اتُّهم بأنه «مفرنس»، فكان ميلاد ديوان «نسيج خواطري»، ليعود مجددا إلى اللغة الفرنسية بكتاب كرّم فيه الفنان مصطفى زميرلي مؤدي أغنية «تفضلي يا آنسة»، يليه كتاب عن العلاّمة فضيل الورثيلاني باللغة العربية، الذي صدرت طبعته الثالثة السنة الماضية عن دار سمر.

لعمرون أيضا كتاب «مناجمانت أو علم الإدارة، من المفهوم الكلاسيكي إلى المفهوم الإسلامي»، وموسوعة «مشاهير الجزائر». وبحكم عمله في مجال «المياه» أصدر كتابين؛ «الماء في القرآن والسنة» و»حكم تبذير المياه في الإسلام»، لتصدر له سنة 2016 رواية «عين الفوارة بين فكرة الأصالة والاستئصال»، ومجموعة شعرية ثانية بعنوان «أنا من فلسطين وصحراوي مرفوع الجبين»، أقر فيها بوجود دولتين تحت نير الاستعمار فلسطين والصحراء الغربية، مضيفا أن فلسطين قضية لا تعني الفلسطينيين فحسب، بل هل مسألة تهم كل المسلمين.

أما عن مشاريع عمرون فقدّم لدار النشر «سمر»، كتابين عن العلامة محمد صالح صديق، واحد بالعربية والثاني بالفرنسية، وهو يضع اللمسات الأخيرة لكتاب جميل بالصور حول نفس العلاّمة. وكتاب آخر عن مولود فرعون من نوع الكتاب الفاخر، سيتناول فيه حقائق غير معروفة عن هذا الأديب الراحل.

طالب عمرون الشباب بتحديد أهداف سامية لحياتهم، لأن الحياة يعشيها الإنسان مرة واحدة؛ ولهذا يستوجب عليه أن يجعل كل يوم من حياته يوما جديدا. أما عن رأيه فيما يُكتب من الروايات والقصائد والقصص فقال إن الكثير مما يكتب من أسماء معروفة، لا ترقى إلى مستوى تلك الشهرة، كما أن الكثير منهم يجرون وراء الشهرة والمال، ومع ذلك لا يجب أن نفقد الأمل، لأنّ الأمر سيؤول يوما ما إلى العقول الواعية.

لطيفة داريب