ربيعة جلطي تكتب وتحلم

القوة الناعمة في فلسفة التكتل الثقافي المغاربي

القوة الناعمة في فلسفة التكتل الثقافي المغاربي
ربيعة جلطي
  • القراءات: 820
مريم. ن مريم. ن

كتبت الشاعرة ربيعة جلطي، مؤخرا في جريدة الشرق الأوسط، مقالا، دعت فيه أهل الثقافة والفنون إلى التفكير في استراتيجية جهوية لحماية مكتسبات معيّنة، وتكريس حضور نوعي، وتجميع قوى إنتاجية متفرقة مفككة في وحدة واحدة؛ قصد مقاومة الابتلاع الذي يهددها من الآخر المتعاظم في زمن الهمجية الرأسمالية، التي لا تترك مجالاً لعيش التنوع.

أكدت جلطي أن التكتلات الاقتصادية والعسكرية ليست وحدها التي تحمي المناطق والمصالح، بل الثقافة والفنون هي الأخرى تحتاج إلى مثل هذا التجمع، فإذا كان أهل المال والأعمال لا يتوقفون عن الاجتهاد في البحث عن سبل لتقاسم العالم، وذلك بتقسيمه إلى قطع يسهل الدفاع عن بعضها، وتهميش بعضها الآخر، وابتلاع بعضها الثالث، فإن أهل الثقافة والفنون، إبداعاً وإنتاجاً وتوزيعاً، هم الآخرون مطالَبون بالتفكير في استراتيجية جهوية لحماية مكتسبات معيّنة؛ قصد مقاومة الابتلاع الذي يهددها من الآخر. ولا يمكن ـ حسب كاتبة المقال ـ تصور تكتل اقتصادي أو عسكري في صالح الإنسانية، في غياب تكتل ثقافي موازٍ، قادر على حماية القيم، ويدافع عن التنوع الإنساني والطبيعي والحيواني. ودرس التاريخ يؤكد باستمرار، أن الثقافة هي ما يبقى مشتركاً وضرورياً مثل الخبز، يجمع ما بين الشعوب، والثقافة تشكل رأسمالاً من القيم الإنسانية الكبرى، المتجسدة في الموسيقى والأدب والسينما والمسرح...

وتضيف: تظل الثقافة صامدة حين تخفق السياسة، أو تهب ريح الحروب، أو ترتفع أسوار القطائع المؤقتة، داعية: تعالوا نحلم قليلاً.. مادام الحلم جريمة لا يعاقب عليها القانون الجائر بعد، ماذا لو أن البلدان المغاربية انخرطت في مشروع ثقافي موحد كبير، كما حلمت نخبها في الكتاب والسينما والمسرح والموسيقى؟ ماذا لو أن هذا المشروع الثقافي - الحلم كان انطلق منذ فجر الاستقلاليات الوطنية المغاربية؟ كيف كان سيغدو حالنا اليوم على المستوى الثقافي والفكري؟!”. وتجيب: كنا حتماً سنحظى بسوق واسعة للكتاب، مساحة العرض فيها شاسعة، والطلب أكبر. سيقرأ الجزائري الكتاب التونسي، ويقرأ المغربي الكتاب الجزائري، ويطّلع الليبي على ما يكتبه الموريتاني، ستكون السوق رابحة ثقافياً واقتصادياً، وسيصبح الاستثمار في الكتاب قوة اقتصادية كبيرة، والأدب في صحة جيدة، سيتبادل الناشرون الخبرات، والكتّاب التجارب النصية، وحتماً ستنتعش فكرة إطلاق مجلات قوية، العامة منها والمتخصصة في الأدب والنقد والفلسفة وعلم الاجتماع والفنون التشكيلية والسينمائية والمسرحية والموسيقية... وحتماً ستنظم جوائز مغاربية كبيرة قارة في صنوف الإبداع؛ رهاناً على الأجود والأجمل، والمنافسة عليها ستكون ذات بعدٍ عالٍ.

وترى ربيعة جلطي أن هذا المشروع المغاربي الثقافي لو كان انطلق، لكان عمر الحلم الآن نصف قرن، ولكان المسرح المغاربي على حال آخر، ولكان أبناء قسنطيني وبشطارزي وعلالو وولد عبد الرحمان كاكي وعلولة والطيب لعلج والطيب الصديقي وعبد الكريم برشيد وعز الدين المدني... يصنعون فرجة أخرى موازية لفرجة المشرق وفرجة الشمال، فرجة بطعم مغاربي، وعبقرية لها توابلها وطعمها وعطرها، ولأضحت خشبات المسارح من نواكشوط إلى برقة مروراً بمراكش والدار البيضاء والرباط وطنجة ووجدة وتلمسان ووهران ومستغانم والجزائر وتيزي وزو وبجاية وقسنطينة وعنابة وتونس وقفصة والقيروان وطرابلس وبنغازي، ركحاً واحداً بأصوات متعددة متجددة مبدعة، بدون فقر أو ضنك أو ملل.

وأكدت الكاتبة أنها كلما فكرت في هذا المشروع الثقافي المغاربي الذي ضيعناه، تفكر في ذلك الحلم الذي طالما سكن وجدان كل من الروائي الجزائري الكبير مولود معمري، والفيلسوف الشاعر المغربي محمد عزيز الحبابي منذ الخمسينيات، حلم تأسيس اتحاد كتاب المغرب الكبير، لكن مولود معمري رحل، ورحل الحبابي أيضاً، وظل الحلم معلّقاً. ضاقت سماؤنا على حلمنا بتأسيس معرض للكتاب المغاربي في بلداننا المغاربية، فتحقق في باريس، تأسس في المنفى خلف البحر، فجمعت فرنسا كتّابنا المغاربيين، بينما أخفقنا، نحن، في جمعهم، وإعطائهم فضاء للحوار والنقاش والتعارف!