المختصون يناقشون دور التعاونيات في المسرح الجزائري

القوانين واضحة والبيروقراطية ماتزال تعيق الإبداع

القوانين واضحة والبيروقراطية ماتزال تعيق الإبداع
ندوة مساهمة التعاونيات الناشطة في الحركة المسرحية الجزائرية
  • القراءات: 799
دليلة مالك دليلة مالك

أكد مسرحيون منتمون إلى تعاونيات متخصصة في الميدان، أول أمس، في ندوة مساهمة التعاونيات الناشطة في الحركة المسرحية الجزائرية التي يحتضنها المهرجان الوطني للمسرح المحترف 14، أكدوا أن التعاونيات تواجه عراقيل الإدارة رغم أن قوانين الدولة واضحة في هذا الشأن، مشيرين إلى أن هذه النصوص "جاءت لتوفير جو من حرية العمل في الإبداع المسرحي... في إطار التزام الرجال على شاكلة كاتب ياسين وعبد القادر علولة وغيرهما".

جمعت الندوة كلا من رئيس تعاونية "السنجاب" عمر فطموش، ووحيد عاشور رئيس تعاونية "البليري"، والمخرجة المسرحية تونس آيت علي، وعزّي غوثي رئيس تعاونية "أول ماي"، ورئيس تعاونية "لام ألف" حسان عسوس.

واستُهلت المداخلات بما قاله عزري غوثي، بأن التعاونيات تعيش تحت رحمة البيروقراطية وهو يروي تجربة تعاونية "أول ماي"، التي قال إنها وليدة صراعات إيديولوجية وسياسية شهدها مسرح وهران في أواخر ثمانينيات القرن الماضي. واستطرد: "حدث انشقاق واتّهم علولة، لكن واصل العمل حتى أنتج مسرحية "الأجواد"، غير أن الأزمة زادت حدتها بسبب أحد الممثلين الذي غادر إلى فرنسا وأجرى تربصا، وبعد عودته طلب أن يعود إلى مكانه في المسرحية، وقتها فريق "الأجواد" كان يشتغل وهدد الفرقة". وقال عزري: من خلال تلك الأحداث جاءت فكرة إنشاء تعاونية، وتأسست عام 1988". وأوضح المتحدث أن العراقيل الإدارية خاصة في ما يتعلق بمنح التعاونية اعتمادا، وقانونا تستند عليه، صعّبت المهمة. كما إن الوزارة وقتها لم تحرك ساكنا، إلى أن جاء بوحاميدي محمد، وعمل على إيجاد حل للقضية، غير أن الأمور بقيت صعبة، حتى بلغ الأمر اتهام علولة بـ "الخيانة" من قبل بعض الفنانين الزملاء". وأكد غوثي أن "التعاونيات المسرحية تعيش تحت الضغط على مستوى فتح حساب بنكي والتمويل والإجراءات القانونية". ومن جهته، انتقد عمر فطموش، رئيس جمعية السنجاب، أسلوب التعامل مع التعاونيات المسرحية من قبل السلطات المحلية. وقال فطموش في الندوة إن "التعاونيات المسرحية قد يكون لها قاعدة قانونية واضحة وأساسية، من خلالها تنطلق نشاطاتها إلى أبعد حد".

وعاد فطموش إلى ظروف تأسيس التعاونية؛ حيث اعتبر أن "التجربة مرت بصعوبات كثيرة بدأت سنة 1976 في ظل حكم الحزب الواحد، الذي عمل على الحد من حريتها". واسترسل: "الحزب الواحد كان يتدخل ويمنعني شخصيا من حضور تدريبات التعاونية". وفي سنة 1977 أنتج عمر فطموش مسرحية بعنوان "اتهمونا"، وهو العمل الذي مُنع من العرض بمسرح تيزي وز في فترة سيد أحمد أقومي؛ بحجة أنه ينتقد الشيوعية". وأكد فطموش أن أقومي دافع عن التعاونية بشراسة، ولن ينسى موقفه. وأشار المتحدث إلى أنه مع بداية التسعينيات بدأ حضور الحزب المنحل الجبهة الإسلامية للإنقاذ في النشاط؛ حيث عمل الحزب على سحب المقر منهم، ووضع قنبلة داخل القاعة، فضلا عن العراقيل البيروقراطية للحصول على اعتماد وعقد موثق رغم أن قوانين الجمهورية في هذا الإطار، واضحة، وتم حل القضية بصعوبة. وأوضح المتحدث أن تأسيس تعاونية السنجاب كان سنة 1993 بعد إلغاء المسار الانتخابي، والتي خُصصت للأطفال، وهم من أطلقوا عليها "السنجاب" بعد عملية تصويت حول اختيار اسم التعاونية.

وقدّمت السنجاب عروضا قوية. وقامت بجولات داخل وخارج الوطن. وتعاقدت مع مؤسسات وهيئات ثقافية وفنية كبيرة دولية بفضل إطارها القانوني الذي تأسست عليه بشق الأنفس. ولفت فطموش إلى أن البيروقراطية ماتزال تنخر جسد الإدارات في الجزائر، وتحدّ من إبداعات الفنانين. أما وحيد عاشور رئيس تعاونية "البليري" فقال إن تجربة "البليري كانت رائعة، وأسسها رفقة خالد بلحاج وهشام داودي وحمودي". وأضاف عاشور أن "احتكاكه بأهل المسرح في قسنطينة ساعده في ذلك. وقدّمت البليري العديد من المسرحيات التي وصفها بالكبيرة؛ مثل مسرحية "البعد السابع" التي أسالت الكثير من الحبر. وأشار المتحدث إلى أن سليم ميرابيا مدير مسرح قسنطينة آنذاك، ساعدهم، وفتح الباب لهم، حتى إنه أعطاهم مكتبا حيث يلتقون ويناقشون أفكارهم. ولم يُخف رئيس تعاونية "البليري"، أن بعد تجربة فاشلة في فرقة مسرح المدرسة، تم التفكير في إنشاء التعاونية "البليري" التي تم الاعتراف بها واعتمادها أواخر ثمانينيات القرن الماضي. وأكد أن البليري (مستمدة من اسم زهرة) حققت جوائز داخل وخارج الوطن، وتنشط باستمرار.

وعن تعاونية "لام ألف" قال رئيسها حسان عسوس إن "تجربة إنشاء التعاونية لم تختلف عما ذكره الزملاء من عراقيل بيروقراطية وإدارية وصعوبة الحصول على وثيقة قانونية". وتابع: "التجربة ولدت من رحم الانسداد الذي عرفه مسرح سيدي بلعباس بعد وفاة كاتب ياسين، حيث تغيرت الأمور كثيرا". وأردف: "لم يكن هناك لا رؤية ولا إمكانيات في تلك الفترة، حيث أيد زملاء الحزب الواحد (الأفلان)، اعتقاداهم أن فكرة تأسيس تعاونية هي تهديد أو ضد القطاع العام". وتابع: "التعاونيات عالمية وليست متعلقة بالجزائر فقط؛ فلماذا الإدارة تراها بنظرة سيئة؟ والتعاونيات أنشأها فنانون من أجل تقديم أعمال في جو من الحرية". وأشار عسوس إلى أن تعاونيته التي أسسها رفقة زوجته فضيلة عسوس، لم تستفد من دعم إلى حد اليوم، وكانت مصاريفها من إمكانياتهما الخاصة وبفضل العروض التي قدمتها داخل وخارج الوطن"، مؤكدا في الوقت عينه، أنه "لا يوجد مسرح خاص في الجزائر؛ لأنّ المسرح ينتج، وما يتحدث عنه الجميع هو مجرد قاعات عروض". وأوضح عسوس أن التعاونيات ليست ضد القطاع العام، بل هدفها العمل في جوّ حر، وتقديم أفكارها بدون ضغط.

وبالعودة إلى مسرحيته "بسمة" التي جابت عدة بلدان، أوضح أن تقديمها كان خلال سنوات التسعينيات إبان العشرية السوداء، وكان أول عرض سنة 1992 بمسرح سيدي بلعباس، ثم في شهر ديسمبر بقاعة الموقار، وفي 9 مارس 1994 عُرضت بقصر الثقافة مفدي زكريا، وبلغ عدد عروضها عبر ولايات الوطن 50 عرضا. ومن جانبها تحدثت الممثلة والمخرجة المسرحية تونس آيت علي، عن تجربتها في الخارج، وعلاقتها بالتعاونيات المسرحية في الجزائر. وقالت: "في أوروبا تأسيس تعاونية أسهل بكثير من الجزائر، بفضل التكنولوجيا، واعتماد قاعدة رقمية على الأنترنت". وأضافت المتحدثة أن "الأمور البيروقراطية في فرنسا تحديدا، غير موجودة. ويحتاج إنشاء تعاونية وقتا قصيرا جدا. والهدف وفق الإدارة هو ماذا تقدم في الميدان، وكم ستدفع ضرائب وغيرها". وقالت بأنها في الجزائر من خلال تجربتها مع تعاونيات محلية (خليل عون) بسطيف، وجدت صعوبة في الحصول على الدعم، فكان عليها في كل مرّة، طرق باب مؤسسة معيّنة من أجل دعمهم.

وبالنسبة لتونس آيت علي، فالمشكل المطروح حاليا هو أن التعاونيات تحتاج إلى فضاء حر، من أجل أن تسير بكل حرية في عملها. كما يجب على السلطات وخاصة وزارة الثقافة، التواصل مع التعاونيات، وسماع انشغالاتها. وختمت تقول: "نفتقد اليوم إلى مناضلين وملتزمين في المسرح مثل عبد القادر علولة وكاتب ياسين وآخرين".