الشاعر والباحث في الملحون خالد ياسين شهلال لـ «المساء»:

القصيدة الشعبية طالتها السرقة و«التبييض»

القصيدة الشعبية طالتها السرقة و«التبييض»
  • القراءات: 1190
حاورته: وردة زرقين حاورته: وردة زرقين

تعد قصيدة الملحون فنا شعريا، إنشاديا وغنائيا متميّزا، وهي المادة الخام للأغنية الشعبية التي اشتهر فيها عدّة مشايخ ذاع صيتهم وتميّزوا في أداء الأغنية بتنوّع المواضيع والثراء في محتوى الملحون وكلماته، حيث كانت القصيدة تخضع إلى تدقيق إيقاعها، على عكس ما يجري حاليا وهو التقليد الذي أصبح استنساخا، إذ تؤدى الأغنية من طرف العديد من الأصوات دون المعالجة التقنية لها.. «المساء» اتّصلت بالأستاذ خالد ياسين شهلال، شاعر وباحث في الشعر الملحون وكان هذا الحوار.

- ما هي خصوصية الأغنية الشعبية، وهل فعلا لدينا مدرسة في «الشعبي»؟

-- الأغنية الشعبية لها خاصية تنفرد بها، وهي أنّها عملية مزج بين نص تراثي ولحن تفصيلي، وما يجمع بينهما هو صوت مميّز عارف بثقافة النص معرفة ولو وجيزة حتى يعيش الواقعة، فهنا تكون «المشياخة» بمعنى ثقافة القصيد، وإذا كان كل الشيوخ بهذه المواصفات فإننا أسسنا مدرسة في «الشعبي»، وصراحة الآن «الشعبي» ليس مدرسة، ومن يقول العكس يثبت ذلك، والدليل على ذلك الآن أنّه لا يمكن أن تكون الأغنية الحالية مرجعا للباحثين والأكاديميين لأنّها خاطئة في كلماتها وأحيانا منسوبة إلى غير شاعرها، أو تعرّضت للتبييض ـ كما قيل ـ، وما يسمى بالمدرسة الآن هو عبارة عن مجموعة مقلّدين لشيخ معين، والدليل أنّ الأغنية الشعبية مازالت بنفس النصوص ونفس الأصوات والتفصيل بالرغم من وجود القصائد وتقنيات التسجيل وباحثين ومدارس موسيقية.

- ما المقصود بـ«القصيد»؟ وماذا تعني كلمة «شيخ» في الأغنية الشعبية، ولمن يعطى لقب «شيخ»؟

-- قبل أن أجيب على هذا السؤال، يجب أن أطرح أسئلة أخرى وهي؛ «ما الفرق بين أن نؤدي قصيدة ونعرف قصتها؟» ولماذا ومتى وفي من قيلت؟ ومتى نؤدي قصيدة كنص فقط؟ وكيف تكون حالة المؤدي في القصيدتين؟»، ثم كيف يكون حال الجمهور لو قدم المؤدي ولو لدقيقتين قبل الأداء اسم الشاعر ومناسبة القصيدة ومتى توفي الشاعر مثلا؟، فهنا المؤدي يعطي لمحة عن القصيدة قبل الشروع في أدائها أمام الجمهور، هنا يكون قد ضبط خيوط الاتّصال الحسي بينه وبين جمهوره، يعني خلق نوع من المفاجأة والتركيز، وبهذا هو يؤديها بإحساسه والجمهور يستفيد من معلومة جديدة وصحيحة وتكون ثقافة للملحون والقصيدة بصفة عامة.أما إذا أدى المؤدي القصيدة بفصاحة وصوت جميل فهو مؤد، وإذا فهمها وفهم قصتها ووزنها واسم شاعرها ومنطقتها فهو شيخ، إذا «المشياخة» هي الفهم والحفظ والنقل للجيل الذي بعده بمنهجية، ويكون التحكّم في النص تحكّما تاما، ثقافة وتفصيلا وأداء. هنا أستطيع القول بأن ثقافة «القصيد» هي التي تعطي كلمة «شيخ» وليس الأداء والصوت واللحن، لأنّ الغناء صوت وآلة ولحن فقط، أما الطرب فهو الأداء، بالتالي الغناء والطرب زائد ثقافة والتحكم التام هو «المشياخة»، فكلمة «شيخ» لا تعطى هكذا مجانا.

- ما هو شرط «المشايخة» في الشعبي؟

-- إذا تكلّمنا على شرط «المشياخة» في أغنية «الشعبي»، المشكل المطروح اليوم هو التقليد الذي أصبح استنساخا بكلّ المقاييس، والمشكل الآخر هو كيفية تحضير النص، فالتلميذ لا يبدع في تغيير اللحن أو دراسة النص أكثر من شيخه، لأنّ التلميذ يمكن أن تكون له مؤهّلات أكثر من شيخه، ويمكن أن يشرح النص أكثر من شيخه، وهنا أتكلّم عن المستوى العلمي لشباب اليوم، خاصة اللغة العربية التي حرم منها شيوخنا رحمهم الله، وبما أن «الملحون» قاعدته الأساسية هي اللغة العربية، إذ أن شباب اليوم محظوظون أكثر من شيوخهم، ومع هذا لا يأخذون بالأسباب، أعطي مثلا؛ القصيد متوفرة أكثر من أي وقت مضى والشروحات متوفرة، ووسائل النسخ والكتابة والاتصال متوفرة أكثر، ومع هذا الكسل يخيم على هؤلاء الشباب ومازلنا نسمع القصائد بنفس اللحن والتفصيل منذ 100 سنة، والسبب واضح وهو التقليد الذي سجن التلميذ وقدًس الشيوخ رحمهم الله. الشاعر له خلفية لحنية اعتمد عليها لكتابة القصيدة، لهذا نجد ما يسمى بالموسيقى الشعرية التي يسميها علماء الموسيقى بالإيقاع الشعري، بحيث كانت القصيدة تخضع إلى تدقيق إيقاعها بطريقة الميترونوم سابقا، وإذا عُرفت قراءة القصيدة إيقاعيا بدون لحن يستطيع الفرد أن يغير في اللحن ويكتشف اللحن الأصلي الذي كتب به «بن خلوف» «والمغراوى»، لهذا يجب على الملحن أن يعرف القراءة الإيقاعية للنص والقراءة الشعرية والقراءة النصية، وهنا نتخيل أن كلمة «شيخ» قد تكون بعد 50 سنة من العمر أو أكثر، لهذا من المضحكات المبكيات أن نجد شابا في الـ30 من العمر يلقب بـ«شيخ»، فأين هي ثقافة القصيدة؟ وأين المعالجة التقنية للنص؟ وأين عبقرية تسلسل القصائد مثلا؟، المؤسف أننا مازلنا نسمع النص الواحد بخمسة طرق من طرف مغنيين يسكنون منطقة واحدة. لهذا لابد من تأسيس مدرسة لـ«الشعبي» لأن المدارس التي نسمعها اليوم ما هي إلا طبوع فقط، وليست مدارس، وهذا يجرنا إلى مقال آخر.

- كيف تُعرِّف الملحون؟ وهل هو أداء أم غناء؟

-- الملحون محرّك الأغنية الشعبية، يعنى لولا الملحون لما وجدت الأغنية الشعبية أصلا، إذا المادة الخام لأغنية الشعبي هي الملحون، ويظن البعض أن الأغنية «الشعبية» هي نص، صوت، أداء ولحن وكذا مهارة في العزف، بحيث تعطينا هذه المهارة شيخا في «الفن الشعبي»، كما أن الكثير من الناس لا يفرقون بين المطرب والمغني والمؤدي، لذلك كلمة «شيخ» لا تدخل في مقاييس المطرب والمغني، بل تعنى أشياء أخرى، بينما الأغنية الشعبية تُعنى بالنصوص التراثية وتنفرد بأشياء لا توجد في الطبوع الأخرى، فلابد أن يكون هناك فهم للنصوص التراثية التي تُؤدى بترجمة لحنية ولا تُغنى، لأن الهدف هو توصيل رسالة من خلال نص وليس الطرب فقط، لهذا فإن النص التراثي يُؤدى غنائيا إن صح التعبير واللحن يكون مرافقا للتفصيل فقط، لهذا الملحون ليس طربا وغناء، فهو أداء وترجمة لحنية تفصيلية لنص تراثي معلوم الزمن والمناسبة والشاعر حتى نقول بأن المؤدي هو «شيخ» و«الشعبي» هو مدرسة، وإذا لم تتحقق هذه الشروط فإننا نبقى في هذا الضجيج الموسيقى وهذا الصوت والقراءة النصية الجافة فقط، كما نبقى في هذه الطقوس التقليدية ويذهب التراث، وبهذا تكون الأغنية هي السبب في موت التراث، إذا لننقذ الأغنية ولنبعد عنها التهم.