المخرج السينمائي سعيد عولمي لـ"المساء":

الفيلم الوثائقي التاريخي سلاحٌ لمواجهة النّسيان وبناء ذاكرة وطنية

الفيلم الوثائقي التاريخي سلاحٌ لمواجهة النّسيان وبناء ذاكرة وطنية
المخرج السينمائي سعيد عولمي
  • 119
 دليلة مالك دليلة مالك

في ظلّ التحديات التي تواجه الذاكرة الجماعية للأمم، يبرز الفيلم الوثائقي التاريخي كوسيلة فعّالة لإعادة الاعتبار للتاريخ المنسي وتوثيقه للأجيال القادمة. وفي هذا السياق حاورت "المساء" المخرج السينمائي سعيد عولمي، أحد أبرز الأصوات في مجال السينما الوثائقية بالجزائر، الذي دعا إلى إنشاء مهرجان خاص بالفيلم الوثائقي التاريخي خلال ندوة "الذّاكرة والفنون" بحضور وزير الثقافة والفنون. حوارٌ تطرقنا فيه إلى دوافع هذا المقترح وأهمية التوثيق البصري، إلى جانب الحديث عن أحدث أعماله الوثائقية "من النّسيان إلى الاعتزاز".

❊ اقترحتَ خلال ندوة "الذّاكرة والفنون"، بحضور وزير الثقافة والفنون، إنشاء مهرجان للفيلم الوثائقي التاريخي.. ما الذي دفعك لهذا الاقتراح؟

❊ أعتقد أنه من الضروري جدًا إنشاء مهرجان للفيلم الوثائقي التاريخي سواء كان وطنيًا أو دوليًا، وأراه قادرًا على أن يكون مهرجانًا دوليًا بامتياز. لقد حان الوقت لتوفير فضاء للنّقاش والترويج لهذا النّوع من الإنتاج السينمائي المهم، كما يمكن من خلاله تنظيم ورشات لتعليم صناعة الفيلم الوثائقي، كونه وسيلة قوية لحفظ الذّاكرة الوطنية ونقلها إلى الأجيال القادمة.

الفيلم الوثائقي التاريخي له وظائف متعددة: تعليمية، إعلامية، تربوية، وأحيانًا حتى توعوية ودعائية. كما أنه يساهم في تفكيك الذّاكرة الكولونيالية وإعادة بناء ذاكرة وطنية ترتكز على الحقائق التاريخية من خلال الوثائق، الشهادات الحيّة، الباحثين المختصين، الأرشيف السمعي البصري، ولا ننسى أهمية "أماكن الذّاكرة" التي تساهم بدورها في كتابة التاريخ. اليوم، يمكن توظيف الفيلم الوثائقي التاريخي في الجامعات والمدارس، لأنه إذا أردنا إيصال معلومة تاريخية وتبسيطها فإنّ أفضل وسيلة لذلك هي الفيلم الوثائقي.

هل ترى أن هذا المهرجان يمكن أن يشجّع المنتجين على العودة إلى هذا النّوع من الإنتاج، خاصة في ظلّ تراجعه؟

❊ بالتأكيد تنظيم مهرجان خاص بهذا النّوع سيحفّز المنتجين على التوجّه نحو الأفلام الوثائقية التاريخية، لأنه سيكون فضاءً للمنافسة والتشجيع ما سيدفع إلى إنتاج أكبر عدد ممكن من الأعمال، كما أنّ عامل الزمن لا يرحم.. شهود العيان يرحلون تباعًا، ومع كل شاهد نفقد جزءًا من الذّاكرة الجماعية والوطنية. إضافة إلى ذلك سيساهم المهرجان في رفع الوعي الجماعي بأهمية التوثيق وأماكن الذّاكرة، كما يمكن خلق تعاون مثمر بين المؤرّخين والمخرجين والباحثين من خلال لقاءات وورشات تطويرية تتيح النّهوض بالفيلم الوثائقي التاريخي في الجزائر.

حدّثنا عن أحدث أعمالك الوثائقية "من النّسيان إلى الاعتزاز"؟

❊❊هذا العمل يُعدّ استكمالًا لسلسلة وثائقية بعنوان "المنفيون الجزائريون إلى كاليدونيا"، تتألف من ثماني حلقات وتناولت موضوعًا كان منسيًا رغم وجوده في الذّاكرة الجماعية،، الاستعمار الفرنسي على مدى أكثر من قرن شوّه صورة هؤلاء المنفيين، لكن عند زيارتي لهم وجدت ذاكرة حيّة رغم الألم، ذاكرة جريحة ولكنها متمسّكة بموروث الأجداد، كانوا يعتبرون أنفسهم منسيين ويعيشون في صمت تام.

إصدار السلسلة الوثائقية أعاد الاعتبار لهم وكسّرت حاجز الصمت، وبدأ الأحفاد اليوم يفتخرون بتاريخ أجدادهم بل يزورون الجزائر. الفيلم الجديد "من النّسيان إلى الاعتزاز" سيسلّط الضوء على هذه التحوّلات وعلى الأحفاد الذين انتقلوا من حالة النّسيان إلى الاعتزاز بانتمائهم وتاريخهم. ومن أبرز ما يفتخرون به اليوم هو النّصب التذكاري الذي أقامه رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، تكريمًا لأرواح المنفيين الذين ماتوا في المنفى، هذا الفيلم من المرتقب صدوره في شهر نوفمبر المقبل، وسيكون بمثابة شهادة على صمود الذّاكرة وإرادة استعادتها.